للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا عُرْف ولا عَرَف من معناها ما عرفه المشركون.

وقال: إن لا إله إلا الله لم تنف إلا كليا منويا لا يوجد منه في الخارج إلا فرد، وهذا الفرد المنفي هو المثبت، فأين هذا من معناها الذي يعرفه المسلمون وبه يدينون، ويعرفه المشركون أيضا ويشمئزون منه وينفرون؟ كما قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} ١.

فالمشركون عرفوا وأنكروا مدلولها، وهذا الملحد أنكر مدلولها مع الجهل بمعناها الذي يعرفه كل أحد حتى أعداء الرسل القائلون: {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ} ٢.

فسبحان الله ما أبين ضلال هذا الملحد عند أهل البصيرة من أهل التوحيد، وعند أهل الفطر والعقول قاطبة! فكل ذي عقل ينكر هذا القول ويعرف بطلانه.

[الوجوه المبطلة للقول بأن نفي الكلي ليس له أفراد في الخارج]

ونذكر وجوها تبين بطلان هذا القول مع ما تقدم:

(الأول): أن هذا يناقض ما شهد الله به وشهدت به ملائكته وأولو العلم من عباده قال تعالى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ٣. فلم يبق معبود يعبده الأولون والآخرون من دون الله إلا بطلت عبادته وإلهيته بشهادة الله عز وجل وملائكته وأولي العلم قاطبة، وأن المعبودات التي بطلت بشهادة الله ليست كليا لا يوجد منه في الخارج إلا فرد كما يقوله الملحد، بل كل ما يوجد في الأمم وفي العرب من الأوثان والأصنام التي لا تحصى كثرة كأصنام قوم نوح وغيرها.

ومن لم يعتقد أن هذا هو الذي شهد الله به وملائكته وأنبياؤه بنفيه عن هذه الأصنام، وكل ما عبد من دون الله، فما قال لا إله إلا الله، وما عرف من الإسلام ما يعصم دمه وماله، وصار عما شهد الله به في معزل.

(الوجه الثاني): أن هذا القول ينافي ما بينه الله تعالى في كتابه من ملة الخليلين لقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} ٤ الآية وقد تقدمت. وقال تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وأطيعون ذَلِكُمْ


١ سورة الصافات آية: ٣٥، ٣٦.
٢ سورة الأعراف آية: ٧٠.
٣ سورة آل عمران آية: ١٨.
٤ سورة الزخرف آية: ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>