ما علم بالعقل؛ إن كان ذلك حقا، كما قال بعض نُفَاةِ الصفات لما تأمل أحوال أصحابه، وحال مثبتيها، قال: لا ريب أن حال هؤلاء عند الله خير من حالنا؛ فإنهم إن كانوا مصيبين نالوا الدرجات العالية، والرضوان الأكبر، وإن كانوا مخطئين، فإنهم يقولون: يا ربّ نحن صدقنا ما دل عليه كتابك وسنة رسولك، إذ لم يتبين لنا بالكتاب والسنة نفي الصفات كما دل كلامك على إثباتها.
فنحن أثبتنا ما دل عليه كلامك، وكلام رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، فإن كان الحق بخلاف ذلك، فلم يبين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم ما يخالف ذلك، ولم يكن خلاف ذلك مما يعلم ببدائه العقول، بل إن قُدِّرَ أنه حق، فإنما يعلمه الأفراد، فكيف والمخالفون في ذلك يقرون بالحيرة والارتياب.
قال النافي: فإن كنا نحن المصيبين، فإنه يقال لنا: أنتم قلتم شيئا لم آمركم بقوله، وطلبتم علما لم آمركم بطلبه، فالثواب إنما يكون لأهل الطاعة، وأنتم لم تمتثلوا أمري. قال: وإن كنا مخطئين فقد خسرنا خسرانا مبينا.
فصل
[في إبطال تأويل الاستواء بالاستيلاء]
وأما قوله في تأويل الاستواء بالاستيلاء، ويساعده من كلام العرب ما نقله الغزالي من قول الشاعر:
قد استوى عمرو على العراق ... من غير سيف أو دم مهراق
(فالجواب) أن يقال: أنت قد نقضت كلامك المتقدم، وقولك: ولغة العرب حاكمة بأن حقيقة الاستواء على العرش: الجلوس عليه، وهو القعود مع تعطف الرجلين ورجوع بعضها على بعض.
وبيان ذلك أن الشاعر أخبر أن عمرًا استوى على العراق أي: ملَكه، فتقول: إن معناه جلس على العراق كله، وعطف رجليه على جميعه! فإن قلت هذا، فهذا مكابرة، وإن قلت: إن المعنى باستواء عمرو على العراق: ملكه، فقد نقضت ما أَصّلتَه، وهدمت ما قررته، فأعجب لِبَانٍ يُخَرِّبُ ما بَنَى. ولم تعلم