للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

[في مذهب السلف الصالح في خلق القرآن]

وقلتم: إن القول بأن القرآن غير مخلوق لم يقله السلف، وإن عدم القول بذلك هو الصواب، وإنه هو اعتقادكم فلا تقولون: مخلوق ولا غير مخلوق.

فأما قولكم: إن هذا القول لم يقله السلف، فلا ندري مَنْ تعني بالسلف عندكم. فإن كان يعني بالسلف عندكم جَعْدًا، وجَهْمًا، وابن أبي دؤاد وأتباعهم كأبي علي الجبائي وأبي هاشم، وأتباعهم من الجهمية والمعتزلة، فصدقتم بأن هؤلاء لم يقولوا هذه المقالة، وإنما قالوا القرآن مخلوق، وبُعْدًا لمن كان هؤلاء سلفه، واستبدل سبيلهم بسبيل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته!

وما عَوَّضَ لنا مِنْهَاج جَهْم ... بمنهاج ابن آمنة الأمين

وإن كان يعني بالسلف عندكم: الصحابة، والتابعين، وأئمة الإسلام الذين لهم لسان صدق في الأمة الذين رفع الله قدرهم، وأعلى منزلتهم، الذين هم سلف الأمة حقا، فأخطأتم في نسبة عدم القول بذلك إليهم، فإنهم كلهم مجمعون على أن القرآن كلام الله غير مخلوق.

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في القرآن: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله، منه بدا، وإليه يعود.

ذُكر هذا الكلام عن علي الشيخ الحافظ عبد الغني المقدسي، وذكر -أيضا- عن عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس أنهما قالا: القرآن كلام الله منه بدا، وإليه يعود.

فقولهم -رضي الله عنهم-: "منه بدا" أي: هو المتكلم به، وهو الذي أنزله من لدنه، ليس هو كما تقوله الجهمية: "إنه خُلِق في الهواء"، أو غيره، أو بدا من عند غيره. وأما "إليه يعود": فإنه يسرى به في آخر الزمان من المصاحف

<<  <  ج: ص:  >  >>