للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الباطل، ولا الهدى من الضلال {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ} ١، وأن الله يحب عدم العلم بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحب منا الحيرة والشك.

ومن المعلوم أن الله لا يحب الجهل ولا الشك ولا الحيرة ولا الضلال، وإنما يحب الدين والعلم واليقين، وقد ذم الله الحيرة بقوله -تعالى-: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ} ٢.

ومن المعلوم أنه لا بد أن يكون كلام الله في نفس الأمر مخلوقا، أو غير مخلوق، لا غير، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتقد أحد الأمرين لا غير.

وإذا كان الأمر كذلك، فلا بد أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد دل أمته على ما يعتقدونه من ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك"٣، وقال فيما صح عنه أيضا: "ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم"٤، وقال أبو ذر: لقد توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علما.

محال مع تعليمهم كل شيء لهم فيه منفعة في الدين -وإن دقت- أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم، ويعتقدونه بقلوبهم في ربهم ومعبودهم الذي معرفته غاية المعارف، وعبادته أشرف المقاصد، والوصول إليه غاية المطالب.

فكيف يتوهم من في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول على غاية التمام، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة


١ سورة النساء آية: ١٤٣.
٢ سورة الأنعام آية: ٧١.
٣ ابن ماجه: المقدمة (٤٤) , وأحمد (٤/ ١٢٦).
٤ مسلم: الإمارة (١٨٤٤) , والنسائي: البيعة (٤١٩١) , وابن ماجه: الفتن (٣٩٥٦) , وأحمد (٢/ ١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>