للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنو إسرائيل لموسى: بم شبهت صوت ربك حين كلمك من هذا الخلق؟ قال: شبهت صوته بصوت الرعد حين لا يترجع.

وفيما ذكرناه كفاية لمن أراد الله هدايته {وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} ١.

وذكر أبو الفرج عبد الرحمن بن الفقيه نجم الدين الحنبلي، قال: كنت يوما عند القاضي فتناظروا في مسألة القرآن، وعندنا طرحان الضرير، فقال لنا: اسمعوا مني حكاية. قلنا: هات. قال: تناظر أشْعَرِي وحنبلي، فقال الأشعري للحنبلي: أخبرني إذا وقفك الله غدا بين يديه، فقال لك: من أين قلت إن كلامي بحرف وصوت؟ فماذ يكون جوابك؟ فقال الحنبلي: أقول يا رب، هو ذا أنا أسمع كلامك بحرف وصوت، قال: ثم سكت، فلم يرد هذا شيئا، فبهت القاضي، ولم يدر ما يقول، وانقطع الكلام على هذا.

واحتج مَنْ ينفي الصوت، بأن قال: الصوت إنما هو أنين جِرمين، والله -سبحانه- متقدس عن ذلك.

(والجواب): أن يُقَالَ: فهذا قياس منكم لله على خلقه، وتشبيه له بعباده، والله -تعالى- لا يُقَاسُ على مخلوقاته، ولا يشبه بمصنوعاته {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ٢.

وأيضا فإنه يلزمهم سائر الصفات التي أثبتوها، فإن العلم في حقنا لا يكون إلا من قلب، والنظر لا يكون إلا من حدقة، والسمع لا يكون إلا من انخراق، والحياة لا تكون إلا في جسم، والله -تعالى- يُوصَف بهذه الصفات، من غير أن يوصف بهذه الأدوات، فكذلك الصوت، وإلا فما الفرق؟

واتفق سلف الأمة، وأئمتها على أن القرآن الذي يقرأه المسلمون كلام الله تعالى، فالصوت المسموع صوت القارئ، والكلام كلام الباري، فهم يميزون ما قام بالعبد، وما قام بالرب تبارك وتعالى.

ولم يقل أحد منهم إن أصوات العباد، ولا مِدَادَ المصاحف قديم، مع اتفاقهم أن


١ سورة الكهف آية: ١٧.
٢ سورة الشورى آية: ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>