للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو محمد في "المغني": يشترط أن يكون من أهل الاجتهاد، وبهذا قال مالك، والشافعي، وبعض الحنفية. وقال بعضهم: يجوز أن يكون عاميا فيحكم بالتقليد، لأن الغرض منه فصل الخصومات، فإذا أمكنه ذلك بالتقليد، جاز كما يحكم بقول المقومين. ولنا قول الله تعالى-: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} ١، ولم يقل بالتقليد، وقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} ٢.

وروى بريدة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة، رجل علم الحق فقضى به، فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل جار في الحكم فهو في النار"٣ رواه ابن ماجه.

قال: والعامي يقضي على جهل؛ ولأن الحكم آكد من الفتيا؛ لأنه فتيا وإلزام، والمفتي لا يجوز أن يكون مقلدا، فالحكم أولى. وقال في "الإنصاف": ويشترط في القاضي أن يكون مجتهدا، هذا المذهب .. إلى أن قال: واختار في "الترغيب": ومجتهدا في مذهب إمامه للضرورة، واختار في "الإفصاح" و"الرعاية": ومقلدًا. قلت: وعليه العمل من مدة طويلة، وإلا لتعطلت أحكام الناس. انتهى.

[أقوال العلماء في التقليد في الفتيا]

وذكر ابن القيم في مسألة التقليد في الفتيا ثلاثة أقوال:

(أحدها): أنه لا يجوز الفتوى في التقليد، لأنه ليس بعلم، وأن المقلد لا يطلق عليه اسم عالم. وهذا قول أكثر الأصحاب وهو قول جمهور الشافعية.

(والثاني): أن ذلك يجوز فيما يتعلق بنفسه، فيجوز أن يقلد غيره من العلماء إذا كانت الفتوى لنفسه. ولا يجوز أن يقلد العالم فيما يفتي به لغيره، وهذا قول ابن بطة، وغيره من أصحابنا.

(والقول الثالث): أنه يجوز ذلك عند الحاجة


١ سورة المائدة آية: ٤٨.
٢ سورة النساء آية: ٥٩.
٣ أبو داود: الأقضية (٣٥٧٣) , وابن ماجه: الأحكام (٢٣١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>