قبل قبوله، أو قبله وقبضه ثم رده: فأما إذا رده، أو مات قبل القبول والرد، فالذي يظهر بطلان هذا النذر كما تبطل الصدقة بذلك لأن الصدقة نوع من الهبة، صرح به الأصحاب كما في المغني وغيره. وهو ظاهر كلام أحمد لقوله في رواية حنبل: إذا تصدق على رجل بصدقة دار أو ما أشبه ذلك، فإذا قبضها الموهوب له صارت في ملكه، انتهى.
وقد صرحوا باعتبار القبول للهبة، وأنها تبطل بالرد وبموت الموهوب له قبل القبول، فإذا كان هذا حكم الهبة، والصدقة نوع من الهبة، وقد جعل الأصحاب حكم الصدقة المعينة حكم النذر، كما نقله في القواعد عنهم، ولفظه بعد كلام سبق، فإذا قال: هذه صدقة، تعينت، وصارت في حكم المنذورة، صرح به الأصحاب؛ لكن هل ذلك إنشاء للنذر، أو إقرار به؟ فيه خلاف بين الأصحاب، انتهى.
فقوله:"هل ذلك إنشاء للنذر، أو إقرار به" صريح في أنه إذا تصدق بشيء معين، فقال: هذا صدقة، إنه نذر حقيقة، فإذا علمت ما ذكره علماؤنا -رحمهم الله تعالى- من أحكام الهبة، وقد صرحوا بأن الصدقة نوع من الهبة، لها حكم الهبة، بل صرحوا باعتبار القبول للصدقة، ولم يخصوا بذلك نوعا منها، وجعلوا حكم الصدقة المعينة حكم المنذورة، ظهر لك حكم مسألة السؤال، إن شاء الله تعالى.
[الوصية في الثلث بدون إجازة الورثة]
وأما المسألة الثانية: وهي ما إذا أوصى إنسان بشيء من ماله، يحج به لبعض ورثته، أو يضحي به عنه، فالذي يظهر صحة هذه الوصية ولزومها في الثلث بدون إجازة، لأن الموصى له لا يملكها، ولا ينفع بها، وإنما يرجو ثوابها في الآخرة، فهي كصدقته في مرضه، وجعل ثوابها للوارث، وقد قال الأصحاب في تعليل صحة وقف المريض ثلثه، أو وصيته بوقفه على بعض