لمذهب الخوارج، لأنهم يوالون جميع أصحاب رسول الله، -صلى الله عليه وسلم- ويعتقدون فضلهم على من بعدهم، ويوجبون أتباعهم، ويدعون لهم، ويضللون من قدح فيهم، أو تنقص أحدا منهم. ولا يكفرون بالذنوب، ولا يخرجون أصحابها من الإسلام، وإنما يكفرون من أشرك بالله، وحسن الشرك؛ والمشرك كافر بالكتاب والسنة والإجماع. فكيف يجعل هؤلاء مثل أولئك؟ وإنما يقول ذلك معاند يقصد التنفير للعامة، أو يقول ذلك جاهلا بمذهب الخوارج، ويقوله تقليدا.
ولو قدرنا أن إنسانا يقع منه جراءة وجسرة على إطلاق الكفر جهلا منه، فلا يجوز أن ينسب إلى جميع الطائفة، وإنما ينسب إليهم ما يقوله شيخهم وعلماؤهم بعده؛ وهذا أمر ظاهر للمنصف، وأما المعاند المتعصب فلا حيلة فيه. إذا عرفت مذاهب الفرق المسؤول عنها، فاعلم أن أكثر أهل الأمصار اليوم أشعرية، ومذهبهم في صفات الرب -سبحانه وتعالى- موافق لبعض ما عليه المعتزلة الجهمية؛ فهم يثبتون بعض الصفات دون بعض. فيثبتون الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام، وينفون ما سوى هذه الصفات بالتأويل الباطل، مع أنهم وإن أثبتوا صفة الكلام موافقة لأهل السنة فهم في الحقيقة نافون لها لأن الكلام عندهم هو المعنى فقط، ويقولون: حروف القرآن مخلوقة؛ لم يتكلم الله بحرف ولا صوت. فقالت لهم الجهمية: هذا هو نفس قولنا: إن كلام الله مخلوق لأن المراد الحروف لا المعنى.
تقارب الأشعرية من المعتزلة والجهمية في بعض الصفات
ومذهب السلف قاطبة: أن كلام الله غير مخلوق، وأن الله -تعالى- تكلم بالقرآن، حروفه ومعانيه، وأن الله -سبحانه وتعالى- يتكلم بصوت يسمعه من يشاء.
والأشعرية لا يثبتون علو الرب فوق سماواته واستواءه على عرشه