النصيحة فالله يثيبه على ذلك، لا سيما إذا كان المتكلم فيه داعيا إلى بدعته، فهذا يجب بيان أمره للناس؛ فإن دفع شره عنهم أعظم من دفع شر قاطع الطريق، انتهى.
فدل كلامه على جواز ذلك في جميع أهل البدع، بل استحبابه بالشرط الذي ذكره، وأن ذلك واجب في حق الداعي إلى بدعته. وذكر النووي في رياض الصالحين ستة أسباب تباح فيها الغيبة، ذكرها عن العلماء، قال: ومنها إذا رأى متفقها يتردد إلى مبتدع، أو فاسق، يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة ... إلى أن قال:(الخامس) أن يكون مجاهرا بفسقه، وبدعته، إلى آخر كلامه، رحمه الله تعالى. واستدل لذلك بأحاديث منها: حديث عائشة -رضي الله عنها- أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ائذنوا له بئس أخو العشيرة"١ قال: واحتج به البخاري في جواز غيبة أهل الريب، والفساد.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في شرح هذا الحديث بعد كلام سبق: بل كل من اطلع من حال شخص على شيء، وخشي أن غيره يغتر بجميل ظاهره؛ فيقع في محذور ما، فعليه أن يطلعه على ما يحذر من ذلك قاصدا نصيحته. والإمام أحمد -رحمه الله تعالى- مع ورعه -قد تكلم في أناس بأعيانهم، وحذر منهم، ومنهم من ليس معروفا بالبدعة، مثل: كلامه في الحارث المحاسبي، وقال: لا يغُرَّنك لينه، وخشوعه؛ فإنه رجل سوء، لا يعرفه إلا من خَبَرَه. وكلامه -رحمه الله تعالى- في أهل البدع، والتحذير منهم كثير.
[حديث:"من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له"]
وأما ما روي:"من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له" فالمراد به: المجاهر
١ البخاري: الأدب (٦٠٥٤) , وأبو داود: الأدب (٤٧٩٢) , وأحمد (٦/ ٣٨,٦/ ٧٩).