يعرف حقيقتها، ولم يدر مراد الفقهاء منها، ترسًا يدفع به في صدور الآيات والسنن، ويصدف به عن أهدى منهج وسنن؛ فهو كحجر في الطريق بين السائرين إلى الله والدار الآخرة يحول بينهم وبين مرادهم، ويثبطهم عن سيرهم وعزماتهم. وقد كثر هذا الضرب من الناس في المتصدين للفتوى في مثل هذه المسائل، وبهم حصل الإشكال، وضلت الأفهام، واستحبت مساكنة عباد الأوثان والأصنام. وافتتن بهم جملة الرجال، وقصدتهم الركائب والأحمال، وسار إليهم ربات الخدور والحجال، عملا بقول رؤوس الفتنة والضلال، ولا يصل إلى الله ويحظى بقربه، ويرد نهر التحقيق وعذبه، من أصغى إليهم سمعه، واتخذهم أخدانا يرجع إليهم في أمر دينه ومهمات أمره. وقد قال بعض السلف: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. ومن خاض في مثل هذه المباحث الدينية من غير ملكة ولا روية، فما يفسد أكثر مما يصلح، وضلاله أقرب إليه من أن يفلح، وقد قيل: يفسد الأديان نصف متفقه، ويفسد اللسان نصف نحوي، ويفسد الأبدان نصف متطبب. فعليك بمعرفة الأصول الدينية، والمدارك الحكمية، ولترتفع همتك إلى استنباط الأحكام من الآيات القرآنية، والسنن الصحيحة النبوية، ولا تقنع بالوقوف مع العادات، وما جرى به سنن الأكثرين في الديانات، فقد قال بعضهم: من أخذ العلم من أصله استقر، ومن أخذه من تياره اضطرب، وما أحسن ما قال في الكافية الشافية:
ولقد نجا أهل الحديث المحض أتـ ... ـباع الرسول وتابع القرآن
عرفوا الذي قد قال مع علم بما ... قال الرسول فهم أولو العرفان
وسواهمو في الجهل والدعوى مع ... الكبر العظيم وكثرة الهذيان