ومن ضمير الفصل المقحم بين المبتدأ والخبر. والحصر وإن كان ادعائيا فهو يدل على شرف الصنف وفضيلته، والحديث وإن كان تأوله بعضهم في حادثة التتر في القرن السابع فقائله لا يمنع من دخول سواها في الخبر، وأن لها ذيولا وبقية، ولا ريب أن الذي حصل هذا الزمان إن لم يكن منها فهو يشبه بها من كل وجه.
فإن لا يكنها أو تكنه فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها
وقد قال شيخ الإسلام في اختياراته: من جمز إلى معسكر التتر، ولحق بهم ارتد، وحل ماله ودمه ١. فتأمل هذا فإنه إن شاء الله يزيل عنك إشكالات كثيرة طالما حالت بين قوم وبين مراد الله ورسوله، ومراد أهل العلم من نصوصهم، وصريح كلامهم. ثم اعلم أن النصوص الواردة في وجوب الهجرة، والمنع من الإقامة ببلد الشرك والقدوم إليها، وترك القعود مع أهلها ووجوب التباعد عن مساكنتهم ومجامعتهم، نصوص عامة مطلقة وأدلة قاطعة محققة، ومن قال بالتخصيص، أو التقييد لها إنما يستدل بقضايا عينية خاصة، وأدلة جزئية لا عموم لها عند جماهير الأصوليين والنظار، بل هي في نفسها محتملة للتقييد والتخصيص. ومن قال بالرخصة لا ينازع في عموم الأدلة الموجبة للهجرة المانعة من المجامعة والمساكنة، غاية ما عند الخصم أن يقيس حكما على حكم، وفرعا على فرع، وقضية على قضية، والمنازع له يتوقف في صحة هذا القياس، لأنه معارض لدليل العموم والإطلاق. وقد رأيت محمد بن علي الشوكاني
١ وكذا كل من لحق بالكفار المحاربين للمسلمين وأعانهم عليهم وهو صريح قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}.