والكتب السماوية بأيدي أهل الكتاب، وقد صار منهم ما صار. وأسباب الجهل والهلاك قد تواترت جدًّا، وقد قال بعض الأفاضل منذ أزمان: ليس العجب ممن هلك كيف هلك، إنما العجب ممن نجا كيف نجا. وهؤلاء الذين ذكرتهم من أهل فارس وذكرت عنهم تلك العقائد الخبيثة ليسوا بعرب يفهمون الأوضاع العربية، والحقائق الشرعية والحدود الدينية، ولا يرجعون إلى نص من كتاب ولا سنة، وإنما هو تقليد لمن يحسنون به الظن من غير فهم ولا بصيرة، قال الحسن البصري في أمثالهم من المعتزلة من العجم: إنَّ عُجْمَتَهُم قَصُرَتْ بهم عن إدراك المعالي الشرعية، والحقائق الإيمانية؛ وكذلك لما نَاظَرَ عمرو بن العلاء عمرو بن عبيد من رؤوس المعتزلة وَجَدَهُ لا يُفرق بين الوعد والوعيد، فقال: من العُجْمَة أُتِيتَ. وأما عبد الرحمن البهمني فهو -على ما نقلت عنه- في غاية الجهالة والضلالة، وله من طريق غلاة الجهمية نصيب وافر، وله من الاعتزال ومن نِحْلَة الخوارج نصيبٌ. وكلام أهل الإسلام وأئمة العلم في الجهمية والمعتزلة والخوارج مشهور. فأما جهم بن صفوان فطريقته في التعطيل، ونفي العلو، والاستواء، والكلام، وسائر الصفات قد أخذها عن الجعد بن درهم، والجعد أخذها بالواسطة عن لبيد بن الأعصم اليهودي الذي صنع السحر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يخفون مقالتهم ومن أظهر شيئا من ذلك قُتِلَ كما صنع خالد بن عبد الله القسري أمير واسط بالجعد بن درهم فإنه ضَحَّى به يوم العيد، وقال على المنبر: أيها الناس ضَحُّوا -تقبل الله ضحاياكم- فإني مُضَحٍّ بالجعد بن درهم، إنه يزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقول الجعد