للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتركه من أَجَلِّ العبادات. والبغي من أكبر السيئات، وتركه من أهم الطاعات، فهذا كله داخل في العبادة بالإجماع. وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} ١ إلى قوله: {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} ٢ فابتدأ الآية بالأمر بعبادته وحده لا شريك له؛ وعطف بقية العبادة المذكورة اهتماما بها وتنويها بشأنها. ولا قائل: إن ما ذكر ليس بعبادة؛ بل أهل اللغة وأهل الشرع من المفسرين وغيرهم، مُجْمِعُون على أن ما أمر به في هذه الآيات من أفضل ما يتقرب به العبد من القُرَب والعبادات، وما علمتُ أحدا من أهل العلم واللغة ينازع في ذلك؛ ولكن القوم كما تقدم عجمٌ أو مُوَلَّدُونَ. قال تعالى: {مَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} ٣، فعطف إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة على ما قبله، وإن كان يدخل فيه عند الإطلاق، تنبيهًا على ما تقدم من الاهتمام، والحض على ما ذكر في حديث جبريل المشهور في الكتب الستة وغيرها: "أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة رجل وهو جالس في أصحابه فقال له: ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت، قال: ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، وبالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. ثم قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم"٤ فجعل هذا كله هو الدين. والدين بمعنى العبادة بدليل قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ


١ سورة الإسراء آية: ٢٣.
٢ سورة الإسراء آية: ٣٩.
٣ سورة البينة آية: ٥.
٤ البخاري: الإيمان (٥٠) , ومسلم: الإيمان (٩ ,١٠) , والنسائي: الإيمان وشرائعه (٤٩٩١) , وابن ماجه: المقدمة (٦٤) والفتن (٤٠٤٤) , وأحمد (٢/ ٤٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>