خصهن بالدور لأنهن بالمدينة غرائب لا عشيرة لهن، فحاز لهن الدور لما رأى من المصلحة؛ وهذا مُخْتَص بالمهاجرات لاختصاصهن بعلة الحكم على هذا الوجه. وقد أَلْغَزَ في ذلك بعض الأفاضل فقال:
سلم على مفتي الأنام وقل له ... هذا سؤال في الفرائض مبهم
قوم إذا ماتوا يحوز ديارهم ... زوجاتهم ولغيرهم لا تُقْسَم
وبقية المال الذي قد خَلَّفُوا ... يجري على أهل التوارث منهم
وقيل: هو أمر منه صلى الله عليه وسلم باختصاص الزوجات المهاجرات سكنى دور أزواجهن مدة حياتهن، على سبيل الإرفاق بالسكنى دون الملك، كما كانت دور النبي صلى الله عليه وسلم وحُجَره في أيدي نسائه بعده لا على سبيل الميراث لقوله عليه السلام:"نحن لا نُورثُ ما تركناه صدقة". لكن يُحْكَى عن سفيان بن عيينة أنه قال: نساء النبي صلى الله عليه وسلم في معنى المعتدات لأنهن لا ينكحن بعده، وللمعتدات السكنى، فجعل لهن سكنى البيوت ما عشن لا تملكها. ويشبه أن يكون أمره بذلك قبل نزول آية الفرائض، فقد كانت الوصية للوالدين والأقربين مفروضة، وقد كان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالمؤاخاة بينهم، فنسخ بآية الفريضة، وبقوله تعالى:{وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}، وعمل الناس يدل على هذا ويرجحه. وأما استدلال أبي داود في باب إحياء الموات فتأوله على وجهين:(أحدهما) أنه إنما أقطعهم العَرْصَة؛ ليبنوا فيها الدور، وعليه يصح ملكهم في البناء الذي أحدثوه في العرصة، وهذا الذي يظهر من صنع أبي داود.
(والوجه الثاني) أنهم إنما أُقْطِعُوا الدور عارية؛ ولهذا ذهب أبو إسحاق