للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} فلما علم الله منهم الصدق في معاملته، وإيثار مرضاته ومحبته، أيدهم بنصره وتوفيقه، وسلك بهم منهج دينه وطريقه فَأَذَلَّ بهم أُنُوفًا شامخةً عاتيةً، ورد بهم إليه قلوبًا شاردةً لاهيةً، جاسوا خلال ديار الروم والأكاسرة، ومَحَوْا آثار ما عليه تلك الأمم العاتية الخاسرة. وظهر الإسلام في الأرض ظهورا ما حصل قبل ذلك، وعلت كلمة الله، وظهر دينه فيما هنالك، واستبان لذوي الألباب، والعلوم من أعلام نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ما هو مُقَرَّرٌ معلومٌ. ولم يَزَلْ ذلك في زيادة وظهور، وَعَلَمُ الإسلام في كل جهة من الجهات مَرْفَوعٌ منصورٌ، حتى حدث في الناس من فتنة الشهوات، والاتساع والتمادي في فعل المحرمات، ما لا يمكن حصره ولا استقصاؤه؛ فضعفتْ القوى الإسلامية، وقويت الحجب الشهوانية حتى ضعف العلم بحقائق الإيمان، وما كان عليه الصدر الأول من العلوم والشأن، فوقعت عند ذلك فتنة الشبهات، وتوالدت تلك المآثم والسيئات. وظهرت أسرار قوله تعالى: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الآية، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم" ولكن لله في خلقه عناية وأسرار لا يعلم كنهها إلا العليم الغفار.

[المجددون وعلامتهم التي يعرفون بها]

من ذلك: أن الله -تعالى- يبعث لهذه الأمة في كل قرن من يجدد لها أمر دينها، ويدعو إلى واضح السبيل ومستبينها؛ كي لا تبطل حجج الله وبيناته؛ ويضمحل وجود ذلك وتعدم آياته؛ فكل عصر يمتاز فيه عالم بذلك يدعو إلى تلك المناهج والمسالك. وليس من شرطه: أن يُقْبَل منه ويُسْتَجَاب، ولا أن يكون معصوما في كل ما يقول، فإن هذا لم يثبت لأحد دون الرسول. ولهذا المُجَدِّد علامةٌ يعرفها المُتَوَسِّمُونَ، وينكرها المبطلون؛ أوضحها وأجلاها، وأصدقها، وأولاها: محبة الرعيل الأول من هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>