علوه -تعالى- على خلقه، واستواءه على عرشه، وزعموا أن كتابه الكريم، الذي نزل به جبرائيل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم عبارة أو حكاية عما في نفس الباري، لا أنه تكلم به حقيقة، وسمع كلامه الروح الأمين، وكذلك بقية الصفات التي ذهب الأشاعرة فيها إلى خلاف ما كان عليه سلف الأمة وأئمتها ١.
ونقل عنك ما كنت تنتحله، من تصحيح العقود الباطلة في الإجارات، وشافهتك في البحث عن بعض ذلك فاعتذرت وتنصلت، وطلبت الكف عن هذه المادة، وأنك لا تعود إلى شيء من ذلك، فجريت معك بالسيرة الشرعية في الكف عمن أظهر الخير والتزمه، وترك السرائر إلى الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
[تكفير من أنكر الاستواء على العرش]
وقد بلغنا عنك بعد ذلك أنك أبديت لأخدانك وجلسائك شيئا مما تقدمت الإشارة إليه، من السباب والقدح، لا سيما إذا خلوت بمن يعظمك، ويعتقد فيك من أسافل الناس وسقطهم، الذين لا رغبة لهم فيما جاءت به الرسل، من معرفة الله ومعرفة دينه وحقه، وما شرع من حقوق عباده المؤمنين، وقد عرفت يا عبد الله أن من باح بمثل هذا، وأظهر ما انطوى عليه من سوء المعتقد، وطعن في شيء من مباني الإسلام وأصول الإيمان، فدمه هدر وقتله حتم. وقد حكى ابن القيم -رحمه الله- عن خمسمائة إمام من أئمة الإسلام،
١ قد فتن جماهير الأشاعرة في القرون الوسطى بنظريات المعتزلة والفلاسفة، فتأولوا صفات الله -تعالى- بما يخالف هدي السلف، مع أن الأشعري نفسه رجع إلى مذهب السلف، في آخر أمره، كما فصله في كتابه "الإنابة"، فالظاهر من قول الشيخ: "طريقة من ينتسب إلى الأشعري" أنه يبرّئ الأشعري من هذا التأويلات، وإنما يلصقها بالذين كانوا دائما يطعنون بالحنابلة وأهل الحديث، وينبزونهم بالألقاب.