وفد عبد القيس. هذا هو الإيمان الذي اختص به المؤمنون، وجحده المشركون، وفيه وقع النّزاع، وله شرع الجهاد، وانقسم العباد. وقد ابتليت أنت بأمور أوجبت لك الجهل بأصل الإسلام، وعدم الرغبة في البحث عن قواعده، ومبانيه العظام، من ذلك أنك تبعث مشايخ الطوائف الذين جعلتموهم من خير أمة أخرجت للناس، في طلب العلم والأخذ به، وهم قد خفي عليهم معنى كلمة الإخلاص، التي هي أصل الدين، وما دلت عليه من وجوب عبادة الله رب العالمين، والبراءة من دين الجهلة المشركين. وأكثرهم يقرر أن معناها إثبات قدرته على الاختراع، ونفي ذلك عما سوى الله، والإله عندهم هو القادر على الاختراع. وبعضهم يرى أن الفناء في توحيد الربوبية هو الغاية التي شمر إليها السالكون، وبعضهم قرر أن معناها أنه -تعالى- هو الغني عما سواه، المفتقر إليه كل ما عداه، كما يذكر عن السنوسي صاحب "الكبرى" في العقائد المبتدعة ١.
[كلمة التوحيد وما تدل عليه من المعاني]
وهذه المعاني ليست هي المقصودة بالوضع والأصالة من هذه الكلمة الشريفة، التي هي الفارقة بين المسلم والكافر؛ وأكثر الكفار لا ينازعون في قدرة الرب وغناه. وإنما المقصود بالوضع: نفي الإلهية واستحقاق العبادة عن غيره، وإثباتها له -تعالى- على أكمل الوجوه وأتمها، كما يعلم من كتب اللغة والتفسير، وكلام أئمة العلم، الذين إليهم المرجع في هذا الشأن. والمعنى الأول
١ معنى كون "عقائد السنوسي الكبرى" مبتدعة: أنها مبنية على اصطلاحات علوم المنطق والكلام والفلسفة، لا على منهج القرآن والسنة، وآثار سلف الأمة الصالح، وقد عد أئمة السلف الكلام من البدع، وحكى بعض نصوصهم الغزالي في "الإحياء"، واعتذر عنها بأن الكلام ليس من علوم الدين، ولكن عرضت له الضرورة، فهو كحرس الحاج الذي يحميهم من قطاع الطريق. ولكن الحق أن سلوك منهج النصوص أقوى في حماية الدين.