للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسه، ولم يصف نفسه بأنه استوى على شيء غير العرش؛ وكذلك رسله وأنبياؤه وورثتهم، لم يصفوه إلا بما وصف به نفسه، فإنكار هذا الجهمي اختصاص الاستواء بالعرش، تكذيب لما جاءت به الرسل، ورد لما فطر الله عليه بني آدم، من التوجه إلى جهة العلو، وطلب معبودهم وإلههم فوق سائر الكائنات.: {فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ١. وتخصيص العرش بالاستواء نص لا ٢ لم يستو على غيره. والسائل أعجمي، لا خبرة له بموضوع الكلام ودلالاته. قال الحسن في مثل هؤلاء: دهمتهم العجمة. ونفي الاستواء عن غير العرش معلوم من السياق، مع دلالة النص والإجماع والفطرة، كذلك دلالة الأسماء الحسنى، كالعلي والأعلى والظاهر، ونحو ذلك، ولفظ العلو والارتفاع والصعود يشعر بذلك، ويستحيل أن يستوي على شيء مما دون العرش، لوجوب العلو المطلق والفوقية المطلقة.

(وأما قوله): وهل أتى -سبحانه- بحرف الحصر والاختصاص؟ فدلالة الكلام على الحصر والاختصاص تارة تكون بالحروف، وتارة تكون بالتقديم والتأخير، وتارة تكون من السياق، وتارة تكون بالاقتصار على المذكور في الحكم، ولا يختص الاختصاص بالحروف قال -تعالى-: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ٣، وهذا الضمير الظاهر ليس من حروف الحصر، وإنما عرف واستفيد من التقديم والتأخير ٤، وتارة يستفاد من الحروف، كقوله: "إنما الأعمال بالنيات"٥ وكقوله: {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ٦ وتارة من الاستثناء بإلا بعد النفي كقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ٧، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ


١ سورة المؤمنون آية: ٤١.
٢ والظاهر أن الأصل: في أنه إلخ.
٣ سورة الفاتحة آية: ٥.
٤ أي من تقديم المفعول وهو "إياك" وتأخير عامله وهو "نعبد" و"نستعين".
٥ البخاري: بدء الوحي (١) , ومسلم: الإمارة (١٩٠٧) , والترمذي: فضائل الجهاد (١٦٤٧) , والنسائي: الطهارة (٧٥) والطلاق (٣٤٣٧) والأيمان والنذور (٣٧٩٤) , وأبو داود: الطلاق (٢٢٠١) , وابن ماجه: الزهد (٤٢٢٧) , وأحمد (١/ ٢٥ ,١/ ٤٣).
٦ سورة الكهف آية: ١١٠.
٧ سورة الأنبياء آية: ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>