كما عليه كثير ممن يدعي العلم في باب معرفة الله -سبحانه وتعالى-، فإنهم أخذوا العقيدة في هذا الباب عن أهل القوانين الكلامية، كالجهمية وغيرهم ممن خرج عن العقائد السلفية، وكما عليه كثير من أهل الطريق والتصوف؛ فإنهم أحدثوا من التعبد بالذوق والعقول ما لم ترد به هذه الشريعة. وكذلك من اقتصر على تقليد المتأخرين في الأحكام، ولم يلتفت إلى أخذ الحكم من هدي سيد الأنام، فهذا ونحوه وإن جاز لهم التقليد فليسوا من أهل العلم بالإجماع كما حكاه الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله-.
[حقيقة العلم]
وبالجملة، فلو عرفت حقيقة العلم لأحجمت عن عد نفسك من أهله، ولأيقنت أن من ابتغى معرفة الله سبحانه وتعالى مما نصبه مشايخ اليونان والفلاسفة من الأدلة العقلية والموازين الكلامية، وأخذ عن تلامذتهم الذين نشؤوا على ملتهم، ودانوا ببدعتهم، ولم يلتفت إلى ما جاء به الوحي من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، زاعما بأنها ظواهر لفظية، ومجازات لغوية، وأن قانون المنطق هو القواطع العقلية، والبراهين الجلية، وأن ما جاءت به الكتب وأخبرت به الرسل من صفات الله معدود من متشابه الكلام، مصروف عن حقيقته عند ذوي البصائر والأفهام، فنفى لذلك صفات الكمال، وأغرب في سلب نعوت الجلال، وأضاف إلى ذلك تقليد مشايخه في الأحكام والفروع، فلم يأخذ من هدي الرسل العلم المتبوع، فهذا ونحوه من أضل الناس وأبعدهم عن هدي المرسلين، فضلا عن أن يكون من علماء المسلمين، وإن انضم إلى ذلك الضلال عن معرفة توحيد العبادة الذي هو فعل العبد وعمله وكسبه، فاتخذ الآلهة من دون الله أربابا، فأحبهم كحب الله وذل وخضع واستغاث واستعان، وذبح لغير الله القربان، وحلف تعظيما وتفخيما، ورجا