والمحبة ثلاثة أنواع: محبة طبيعية كمحبة الجائع للطعام، والظمآن للماء، وغير ذلك، وهذا لا يستلزم التعظيم. (والنوع الثاني): محبة رحمة وإشفاق كمحبة الوالد لولده الطفل ونحوها؛ وهذه أيضا لا تستلزم التعظيم. (والنوع الثالث): محبة أنس وألفة؛ وهي محبة المشتركين في صناعة أو علم، أو مرافقة، أو تجارة، أو سفر بعضهم لبعض، وكمحبة الأخوة بعضهم بعضا، فهذه المحبة التي تصلح للخلق بعضهم لبعض ووجودها فيهم لا يكون شركا في محبة الله -سبحانه-، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى والعسل، وكان أحب الشراب إليه الحلو البارد، وكان أحب اللحم إليه الذراع، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب نساءه، وكانت عائشة أحبهن إليه، وكان يحب أصحابه، وأحبهم إليه الصديق.
وأما المحبة الخاصة التي لا تصلح إلا لله وحده، ومتى أحب العبد بها غيره كان شركا لا يغفره الله، فهي محبة العبودية المستلزمة للذل والخضوع والتعظيم وكمال الطاعة، وإيثاره على غيره، فهذه المحبة لا يجوز تعلقها بغير لله أصلا، وهي التي سوى المشركون بين آلهتهم وبين الله فيها، وهي أول دعوة الرسل، وآخر كلام العبد المؤمن الذي إذا مات عليه دخل الجنة، اعترافه وإقراره بهذه المحبة، وإفراد الرب بها، فهي أول ما يدخل به في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا إلى الله. وجميع الأعمال كالأدوات والآلات لها، وجميع المقامات وسائل إليها، وأسباب لتحصيلها وتكميلها وتحصينها من الشوائب والعلل؛ فهي قطب رحى السعادة، وروح الإيمان، وساق شجرة الإسلام، ولأجلها أنزل الله الكتاب والحديد، فالكتاب هاد إليها، ودال عليها، ومفصل لها، والحديد لمن خرج عنها، وأشرك مع الله غيره فيها، ولأجلها خلقت