للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقولهم: أمرُّوها كما جاءت رد على المعطلة الذين لا يرون ما دلت عليه وجاءت به من الحقيقة المقصودة والمعنى المراد، وقولهم: بلا كيف، رد للممثلة الذين يعتقدون أن ظاهرها فيه تمثيل وتكييف: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} ١.

ومذهب السلف: إثبات ما دلت عليه الآيات والأحاديث على الوجه اللائق بجلال الله وعظمته وكبريائه ومجده، ومن قال: تجرى على ظاهرها وأنكر المعنى المراد كمن يقول في قوله -تعالى-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ٢ أنه بمعنى استولى، وفي قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ٣ أنه بمعنى القدرة، مع ذلك يقول: تجرى على ظاهرها، فهذا جاهل متناقض، لم يفهم ما أريد من قولهم: تجرى على ظاهرها، ولم يفهم أن الظاهر هو ما دلت عليه نصا أو ظاهرا في معناه المراد. ولا ينبغي في الإيمان الإتيان بقول ظاهر يوافق ما كان عليه السلف وأهل العلم، مع اعتقاد نقيضه في الباطن؛ بل هذا عين النفاق، وهو من أفحش الكفر في نصوص الكتاب والسنة. والسلف، وأهل العلم والفتوى لا يكتفون بمجرد الإيمان بألفاظ الكتاب والسنة في الصفات من غير اعتقاد لحقيقتها وما دلت عليه من المعنى؛ بل لا بد من الإيمان بذلك، وكذا الاستواء على العرش العلو والارتفاع. وحديث الجارية نص في أن اعتقاد العلو والفوقية لا بد منه في الإيمان، وكما دلت عليه النصوص المتظاهرة من الكتاب والسنة، كقوله -تعالى-: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} ٤، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ٥، {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} ٦، {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} ٧، وحديث الأوعال، وحديث الرقية، وحديث الاستسقاء، وغير ذلك مما لا يكاد يحصى.

قال أبو مطيع: قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر: من قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض، فقد كفر، لأن الله يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ٨.


١ سورة الإسراء آية: ٤٣.
٢ سورة طه آية: ٥.
٣ سورة ص آية: ٧٥.
٤ سورة الأنعام آية: ١٨.
٥ سورة فاطر آية: ١٠.
٦ سورة المعارج آية: ٤.
٧ سورة غافر آية: ٢.
٨ سورة طه آية: ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>