للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن البحر مغرقة، والبر مفرقة ١، والجو أكلف والليل أغلف، والسماء جلواء، والأرض صلعاء، والصعود متعذر، والهبوط متعسر، والحق رؤوف عطوف، والباطل شنوف عنوف، والعجب قادحة الشر، والضغن رائد البوار، والتعريض شجار الفتنة، والفرقة تعرف العداوة، وهذا الشيطان متكئ على شماله، متحبل بيمينه فاتح حضنيه لأهله، ينتظر بهم الشتات والفرقة. ويدب بين الأمة بالشحناء والعداوة، عنادا لله ولرسوله ولدينه، تأليبا وتأنيبا ٢ يوسوس بالفجور، ويدلي بالغرور، ويزين بالزور، ويمني أهل الشرور، ويوحي إلى أوليائه بالباطل، دأبا له منذ كان، وعادة له منذ أهانه الله تعالى في سابق الأزمان، لا ينجو منه إلا من آثر الآجل، وغض الطرف عن العاجل، ووطئ هامة عدو الله وعدو الدين بالأشد فالأشد، والأجد بالأجد، وقد أرشدك والله من آوى ضالتك، وصافاك من أحيا مودتك بعتابك، وأراد الخير بك من آثر البقيا معك. ما هذا الذي تسول لك نفسك، وينبو به قلبك ٣، ويلتوي عليه رأيك


١ البحر مغرقة، إلخ. هذا أول بلاغ أبي بكر الذي عهد إلى أبي عبيدة بحمله إلى علي -رضي الله عنهم- ومعناه أن البحر موضع الغرق، والبر موضع الفرق بالتحريك وهو الخوف. وكان اللفظان مصحفين في الرسالة، وسقط منها لفظ رءوف في وصف الحق، وفيها زيادة: والعجب قادحة الشر، فهل هي رواية أم زادها الشيخ لمناسبة المقام؟ وفيها: والفرقة تعرف العداوة، وهي محرفة أصلها "والقعة ثقوب العداوة".
٢ قوله: تأليبا وتأنيبا، معناه ظاهر ولكن الرواية "ناكبا" أي: منحرفا مائلا عن الحق إلى الباطل من قوله تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} وهنالك اختلاف بألفاظ أخرى صححنا منها ما هو ظاهر التحريف وأبقينا ما صح معناه.
٣ في الرواية: "ويدوي به قلبك" وهو إما من الدوي، وهو الصوت المخصوص، وإما من الدوى كالهوى وهو المرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>