للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقال لهذا الجاهل: المشركون عباد الأصنام الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وغنم أموالهم وأبنائهم ونساءهم كلهم يعتقدون أن الله هو النافع الضار الذي يدبر الأمر، وإنما أرادوا ما أردت من الشفاعة عند الله، كما قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} ١. وقوله {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ٢. وإلا فهم يعترفون بأن الله هو الخالق الرازق النافع الضار كما أخبر عنهم بقوله: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} ٣.

فليتدبر اللبيب العاقل الناصح لنفسه الذي يعرف أن بعد الموت جنة ونارا، هذا الموضع، ويعرف الشرك بالله الذي قال الله فيه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ٤ الآية. وقال: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} ٥. فما بعد هذا البيان بيان! إذا كان الله عز وجل قد حكى عن الكفار أنهم يقرون أنه هو الخالق الرازق، والمحيي المميت الذي يدبر الأمر، وإنما أرادوا من الذين يعتقدون فيهم التقرب والشفاعة عند الله -تعالى-.

(فكم من) آية في القرآن ذكر الله فيها هذا، كقوله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} ٦ - إلى قوله- {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} ٧. وكقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ٨ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ٩، وغير ذلك من الآيات التي أخبر الله بها عنهم أنهم أقروا بهذا لله وحده، وأنهم ما أرادوا من الذين يعتقدون فيهم إلا الشفاعة، لا غير ذلك.

[الشرك بعبادة الأصنام كالشرك بعبادة الأنبياء والصالحين]

فإن احتج بعض المشركين أن أولئك يعتقدون في أصنام من حجارة وخشب، ونحن نعتقد في الصالحين. قيل له: والكفار أيضا منهم من يعتقد في الصالحين مثل:


١ سورة يونس آية: ١٨.
٢ سورة الزمر آية: ٣.
٣ سورة يونس آية: ٣١.
٤ سورة النساء آية: ٤٨.
٥ سورة المائدة آية: ٧٢.
٦ سورة المؤمنون آية: ٨٤.
٧ سورة المؤمنون آية: ٨٩.
٨ سورة العنكبوت آية: ٦١.
٩ سورة العنكبوت آية: ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>