للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"إن الدعاء مخ العبادة"١، وكذلك من جعل بينه وبين الله واسطةٌ، وزعم أنها تقربه إلى الله فقد عبده.

وقد ذكر الله ذلك عن الكفار؛ فقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} ٢. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ٣. وكذلك ذَكَرَ عن الذين جعلوا الملائكة وسائط فقال: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} ٤.

فذكر سبحانه أن الملائكة نَزَّهُوهُ عن ذلك، وأنهم تبرؤوا من هؤلاء، وأن عبادتهم كانت للشياطين الذين يأمرونهم بذلك. وذكر سبحانه عن الذين جعلوا الصالحين وسائط، فقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} ٥. وذكر سبحانه أنهم لا يملكون كشف الضر عن أحد ولا عن أنفسهم، وأنهم لا يُحَوِّلُونَهُ عن أحد، وأنهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب، ويرجون رحمته ويخافون عذابه.

فهذا يثبت لك معنى لا إله إلا الله؛ فإذا عرفت حال المعتقدين في عيسى بن مريم والمعتقدين في الملائكة، والمعتقدين في الصالحين، وحالهم معهم أنهم لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا فضلا عن غيرهم عرفتَ أن مَن اعتقد فيمن دونهم فهو أضل سبيلا، فحينئذ يثبت لك معنى لا إله إلا الله، والله أعلم.


١ الترمذي: الدعوات (٣٣٧١).
٢ سورة يونس آية: ١٨.
٣ سورة الزمر آية: ٣.
٤ سورة سبأ آية:٤٠: ٤١.
٥ سورة الإسراء آية:٥٦، ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>