مختلفين، يغزون العدو ويجاهدون في سبيل الله. فلما مات معاوية جرت الفتن العظيمة، منها قتل الحسين وأهل بيته، ومنها حصار ابن الزبير بمكة، ووقعة الحرة بالمدينة، ثم لما مات يزيد، جرت فتنة بالشام بين مروان والضحاك بمرج راهط. ثم وثب المختار بن عبيد على ابن زياد فقتله، وجرت فتنة مصعب بن الزبير وقتله، ثم حاصر الحجاج ابن الزبير فقتله وجرت فتنة، ثم لما تولى الحجاج العراق خرج عليه عبد الرحمن بن الأشعث مع خلق عظيم من القراء، وكانت فتنة كبيرة. فهذا كله بعد موت معاوية رضي الله عنه ثم جرى بعد ذلك -أيضا- فتنة ابن المهلب بخراسان، وقتل زيد بن علي بالكوفة، وجرت فتن. ثم قام أبو مسلم وغيره بخراسان، وجرت فتن يطول وصفها وتزايد شرها.
[مزايا معاوية وفضل ملكه على من بعده]
وبالجملة فلم يكن ملك من ملوك المسلمين خير من معاوية إذا نسبت أيامه إلى أيام من بعده. وقد روى أبو بكر الأثرم: حدثنا محمد بن عمرو، حدثنا مروان عن يونس، عن قتادة قال: لو أصبحت في مثل عمل معاوية لقال الناس: هذا المهدي. وكذا رواه ابن بطة بإسناده الثابت من وجهين عن الأعمش، عن مجاهد، قال: لو أدركتم معاوية لقلتم هذا المهدي.
وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة، حدثنا الثقة، عن أبي إسحاق السبيعي أنه ذكر معاوية فقال: لو أدركتموه أو أدركتم أيامه لقلتم هذا المهدي ١.
١ أكبر فضيلة لمعاوية عند هؤلاء المثنين عليه وغيرهم أنه قدر على حفظ المملكة الإسلامية من التقاتل بين المسلمين، ووجه همتهم وقوتهم إلى الكفار، وفتح الأمصار، وأكبر غائلة له إخراج منصب الإمامة العظمى عما وضعها فيه الصحابة بهداية الله ورسوله، وهو الانتخاب الاختياري، إلى عصبية النسب بجعلها في ولده يزيد الفاجر، ثم إرثا يتداوله بنو أمية، فكان هذا سببا لجعلها كالكرة يتقاذفها الأقوياء بالعصبية دون هداية الصحابة، وبذلك صارت ملكا عضوضا بعد الراشدين كما ورد في الحديث.