للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{باب بيان ما فصل الله به بين قوله وبين خلقه}

وذلك أن الله -جل ثناؤه- إذا سمى الشيء الواحد باسمين أو ثلاثة أسامٍ فهو مرسل غير مفصل، وإذا سمى شيئين مختلفين لم يدعهما مرسلا حتى يفصل بينهما، من ذلك قوله: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} ١ فهذا شيء واحد سماه بثلاثة أسامٍ وهو مرسل، ولم يقل: إن له أبا وشيخا وكبيرا.

وقال: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ} ٢، ثم قال: {وَأَبْكَارًا} فلما كانت البكر غير الثَّيِّب لم يدعه مرسلا حتى فصل بينهما، وذلك قوله: {وَأَبْكَارًا}.

وقال: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى} ٣، ثم قال: {وَالْبَصِيرُ}. فلما كان البصير غير الأعمى فصل بينهما، ثم قال: {وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ} ٤. فلما كان كل واحد من هذا غير الشيء الآخر فصل بينها، ثم {هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} ٥، كله شيء واحد، فهذا مرسل ليس بمفصل.

فكذلك إذا قال الله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} ٦ لأن الخلق غير الأمر، فهو مفصل، انتهى ما ذكره أحمد -رحمه الله-.

وهذا الذي ذكره أحمد -رحمه الله- هو الذي عليه الحذاق من أئمة السنة، وهو قول ابن كلاب وغيره، فهؤلاء لا يطلقون القول بأن صفات الله هي الله، ولا أنها غيره؛ وذلك لأن هذا إثبات قسم ثالث وهو خطأ، ففرق بين إطلاق اللفظين لما في ذلك من الإجماع، وبين نفي مسمى اللفظين مطلقا وإثبات معنى ثالث خارج من مسمى اللفظين.

فجاء بعد هؤلاء أبو الحسن الأشعري وكان أحذق ممن بعده، فقال بنفي مفرد لا مجموعا، فيقول مفردا: ليست الصفة هي الموصوف؟ ويقول مفردا: ليست غيره؟ ولا يجمع بينهما، فلا يقال: لا هي هو، ولا هي غيره؛ لأن الجمع بين النفي فيه من الإيهام ما ليس في التفريق. وجاء بعده


١ سورة يوسف آية: ٧٨.
٢ سورة التحريم آية: ٥.
٣ سورة فاطر آية: ١٩.
٤ سورة فاطر آية:٢٠، ٢١.
٥ سورة الحشر آية: ٢٣، ٢٤.
٦ سورة الأعراف آية: ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>