للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التصحيح إلى تضعيف القول بأنه من عوارض المعاني أيضا، لا إلى كونه من عوارض الألفاظ؛ ولذلك عقبه بقوله: (قيل والمعاني). والذاهبون إليه اختلفوا في أن عروضه للمعاني: هل هو حقيقة أو مجاز، فقال بعضهم: حقيقة، فكما صح في الألفاظ شمول أمر لمتعدد، صح في المعاني شمول معنى لمعاني متعددة بالحقيقة فيها.

وقال القاضي عبد الوهاب: مراد قائله حمل الكلام على عموم الخطاب، وإن لم يكن هناك صيغة تعمها، كقوله -تعالى-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} ١ إن نفس الميتة وعينها لما لم يصح تناول التحريم لها، عممنا بالتحريم جميع التصرف فيها، من الأكل والبيع واللبس وسائر أنواع الانتفاع، وإن لم يكن للأحكام ذكر في التحريم لا بعموم ولا بخصوص. انتهى ما ذكره ابن السبكي، وأبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم في الشرح المذكور.

[تحريم الميتة يشمل جميع أنواع الانتفاع بها]

وقال المقدسي من الحنابلة: قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} ٢ هي ظاهرة في جميع أنواع التصرف، واستدل على أن المراد جميع أنواع التصرف فيها بأدلة ذكرها.

وكذلك قال ابن عقيل: يحرم جميع الأفعال فيها، وقد ذكر أنه قول الجبائي، وابنه وعبد الجبار، فظاهر هذا، بل صريحه أن هذه الآية عامة في كل نوع من الانتفاع؛ ولهذا احتج بها أحمد في دباغ جلود الميتة. قال في رواية صالح: إن الله قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} ٣، فالجلد هو من الميتة، وههنا احتج بها أحمد على عدم الانتفاع بالجلد.

فظهر بما ذكر عن هؤلاء الأئمة بطلان ما ذكره هذا المعترض في عدم شمول الآية في أنواع الانتفاع؛ ولهذا ثبت في الصحيح والسنن من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -عام الفتح وهو بمكة-: "إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنْزير والأصنام. فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة، فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، هو حرام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود، إن الله -تعالى- لما حرم عليهم شحوم الميتة جملوها، ثم باعوها فأكلوا ثمنها"٤.


١ سورة المائدة آية: ٣.
٢ سورة المائدة آية: ٣.
٣ سورة المائدة آية: ٣.
٤ البخاري: البيوع (٢٢٣٦) , ومسلم: المساقاة (١٥٨١) , والترمذي: البيوع (١٢٩٧) , والنسائي: الفرع والعتيرة (٤٢٥٦) والبيوع (٤٦٦٩) , وأبو داود: البيوع (٣٤٨٦) , وابن ماجه: التجارات (٢١٦٧) , وأحمد (٣/ ٣٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>