للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جعلنا الله وإياك من أوليائه الذاكرين الشاكرين. والخط وصل، أوصلك الله إلى ما يرضيه، وسرنا ما أخبرت به عن نفسك من المجاهدة والعبادة، نسأل الله لنا ولك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد.

وأما المسألة التي سألت عنها في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة"١.

فمن أحسن ما قيل في معناه: قول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى -في باب المعاينة من شرح المنازل- لما تكلم على ما يزعمه القوم من إدراك نفس الحقيقة والأنوار التي يجدونها، وأنها أمثلة وشواهد، قال:

وحقيقتها هي وقوع القوة العاقلة على المثال العلمي المطابق للخارجي، فيكون إدراكه له بمنْزلة إدراك العبد للصورة الخارجية، وقد يقوى سلطان هذا الإدراك الباطن بحيث يصير الحكم له، ويقوى استحضار القوة العاقلة لمدركها بحيث يستغرق فيه، ويغلب حكم القلب على حكم الحس والمشاهدة، ويستولي على السمع والبصر بحيث يراه ويسمع خطابه في الخارج، أو في النفس والذهن.

لكن لغلبة الشهود، وقوة الاستحضار، وتمكن حكم القلب واستيلائه على القوى صار كأنه مرئي بالعين، مسموع بالأذن، بحيث لا يشك المدرك في ذلك ولا يرتاب البتة، ولا يقبل عذلا.

وحقيقة الأمر أن ذلك كله شواهد وأمثلة علمية تابعة للمعتقد ... إلى أن قال: وليس مع القوم إلا الشواهد والأمثلة العلمية والرقائق، التي هي ثمرة قرب القلب من الرب وأنسه، واستغراقه في محبته وذكره، واستيلاء سلطان معرفته عليه، والرب تبارك وتعالى وراء ذلك كله، منَزه مقدس عن اطلاع البشر على ذاته، وأنوار ذاته أو صفاته، وإنما هي الشواهد التي تقوم بقلب العبد كما يقوم بقلبه شاهد الآخرة، والجنة والنار، وما أعد الله لأهلهما.

وهذا هو الذي وجده عبد الله بن حرام يوم أحد لما قال: "واها لريح الجنة، إني لأجد ريحها دون أحد". ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مررتم برياض الجنة


١ البخاري: الجمعة ١١٩٥ , ومسلم: الحج ١٣٩٠ , والنسائي: المساجد ٦٩٥ , وأحمد ٤/ ٣٩ ,٤/ ٤٠ ,٤/ ٤١ , ومالك: النداء للصلاة ٤٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>