للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما يعذر به الجاهل بجهله من أمور الدين واستحلال المحرمات وما لا يعذر]

فانظر كيف كفر الشاك، والشاك جاهل، فلم ير الجهل عذرًا في مثل هذه الأمور ١.

وقال -رحمه الله- في أثناء كلام له: "ولهذا قالوا: من عصى مستكبرًا كإبليس كفر بالاتفاق، ومن عصى مشتهيًا لم يكفر عند أهل السنة، ومن فعل المحارم مستحلًّا فهو كافر بالاتفاق ... قال: والاستحلال اعتقاد أنها حلال ٢، وذلك يكون تارة باعتقاد أن الله لم يحرمها، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية أو الرسالة، ويكون جحدًا محضًا غير مبني على مقدمة، وتارة يعلم أن الله حرمها ثم يمتنع من التزام هذا التحريم ويعاند فهذا أشد كفرًا ممن قبله". انتهى.*


١ علماء الأمة متفقون على أن الجهل بأمور الدين القطعية المجمع عليها التي هي معلومة منه بالضرورة كالتوحيد، والبعث وأركان الإسلام وحرمة الزنى والخمر ليس بعذر للمقصر في تعلمها مع توفر الدواعي. وأما غير المقصر كحديث العهد بالإسلام، والذي نشأ في شاهق جبل مثلا أي حيث لا يجد من يتعلم منه، فهو معذور. وهم متفقون أيضا على عذر العوام بجهل المسائل الاجتماعية غير المعلومة بالضرورة، ويمثلون بها في الكتب المختلفة بكون بنت الابن إذا وجدت مع بنت الصلب فإنها ترث الثلث تكملة للثلثين في قوله -تعالى- "فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك"، وهذا التفصيل هو الذي يظهر به كلام شيخ الإسلام في المواضع المختلفة، وفي معناه ما يذكره المؤلف قريبا من نص السلف والأئمة وما ذكرناه أوضح.
٢ هذا التفسير للاستحلال هو الذي تلقيناه عن المشايخ فيكون داخلا في عموم عدة المذكورة آنفا فيما يعذر بجهله، وما لا يعذر وهو قسمان فقط: عدم اعتقاد الحكم أو اعتقاد خلافه. وأما القسم الثالث وهو عدم التزام التحريم مع العلم به فلا يدخل في التفسير المذكور للاستحلال، ولكنه هو المعنى المتبادر منه فيما يعد كفرا مطلقا. فالمستحل للحرام الذي أطلقوا القول بكفره هو من يعلم أنه حرام، ولا يذعن لما جاء به الشرع من تحريمه. وشرط صحة الإيمان الذي هو الاعتقاد: الإذعان النفسي الذي هو مفهوم الإسلام وهو الذي يقتضي العمل عند عدم المانع. وأما الاستحلال بالمعنى الأول فلا يعد كفرا مطلقا، بل هو جهل يزول بالعلم. والمتأول به لما يحتمل التأويل معذور باتفاق العلماء، ومنه ما يأتي قريبا من استحلال بعض الصحابة الخمر للمؤمن الصالح التقي.
* انظر "الصارم المسلول" ص ٥٢١. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]

<<  <  ج: ص:  >  >>