للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنكار ذلك. وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين"١، وليس المراد بالظهور بالسيف بل بالحجة دائما، وبالسيف أحيانا.

ولو قال هذا المجادل: إن أكثر الناس على ما يرى، لكان صادقا، وهذا مصداق الحديث "بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ"٢.

وأيضا فالبناء على القبور، وإسراجها، وتجصيصها، ظاهر غالب في الأمصار التي تعرف، مع أن النهي عن ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنصوص عليه في جميع المذاهب، فهل يمكن هذا المبطل أن يقول: إن الأمة مجمعة على جواز ذلك لكونه ظاهرا في الأمصار. والله سبحانه- إنما افترض على الخلق طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمرهم أن يردوا إلى كتابه وسنة رسوله ما تنازعوا فيه، وأجمع العلماء على أنه لا يجوز التقليد في التوحيد والرسالة.

فإذا عرف أن الشرك عبادة غير الله، وعرف معنى العبادة، وأنها كل قول وعمل يحبه الله ويرضاه ٣، ومن أعظم ذلك الدعاء لأنه مخ العبادة، وعلم ما يفعل عند القبور من دعاء أصحابها وسؤالهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، والتقرب إليهم بالنذور والذبائح. علم أن هذا هو الشرك الأكبر الذي هو


١ مسلم: الإمارة "١٩٢٠" , والترمذي: الفتن "٢٢٢٩" , وأبو داود: الفتن والملاحم "٤٢٥٢" , وابن ماجه: المقدمة "١٠" والفتن "٣٩٥٢" , وأحمد "٥/ ٢٧٩".
٢ مسلم: الإيمان "١٤٥" , وابن ماجه: الفتن "٣٩٨٦" , وأحمد "٢/ ٣٨٩".
٣ يعني أن عبادة الله -تعالى- تشمل جميع الأقوال والأفعال المذكورة، وليس هذا تعريفا للعبادة بمعناها الأعم الذي يشمل عبادات الكفار كطواف المشركين بالبيت عراة، وأكثر العلماء يعرفونها بما يسمى تعريف الرسم. وأدق تعريف لها أن يقال: هي كل قول وعمل بدني، أو نفسي يوجه، ويتقرب به إلى من يعتقد فاعله أن له قدرة على النفع ودفع الضرر فوق الأسباب التي يقدر عليها البشر، إما بذاته كالرب الخالق -تعالى-، وإما بالوساطة والتأثير عنده -تعالى-. ومن الأخير قوله -تعالى- في المشركين "ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله" يعنون أن الله تعالى ينفعهم، ويدفع عنهم الضر بشفاعتهم عنده التي يدعونهم لأجلها لا لذواتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>