للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن سووهم به في المحبة والإجلال والتعظيم. وقال تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} ١ أي يعدلون به في العبادة.

ولهذا اتفق العلماء كلهم على أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم فقد كفر؛ لأن هذا كفر عابدي الأصنام قائلين: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} ٢ ثم شهد الله عليهم بالكذب والكفر فقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} ٣ فهذا حال من اتخذ من دون الله أولياء يزعم أنهم يقربونه إلى الله. وقال: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} ٤.

وقد أنكره الله في كتابه وأبطله، وأخبر أن الشفاعة كلها له، وأنه لا يشفع عنده أحد إلا لمن أذن له أن يشفع فيه، ورضي قوله وعمله، وهم أهل التوحيد الذين لم يتخذوا من دون الله شفعاء، فإنه -سبحانه وتعالى- يأذن في الشفاعة لهم حيث لم يتخذوا من دونه شفعاء، فيكون أسعد الناس بشفاعة الشفعاء صاحب التوحيد الذي حقق قول: لا إله إلا الله.

والشفاعة التي أثبتها الله ورسوله هي الشفاعة الصادرة عمن أذن له لمن وحَّده، والشفاعة التي نفاها القرآن هي الشفاعة الشركية التي يظنها المشركون، فيعاملون بنقيض قصدهم، ويفوز بها الموحدون.

فتأمل قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة - وقد سأله: من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: "من قال: "لا إله إلا الله" خالصا من قلبه"٥ فجعل أعظم الأسباب التي تنال بها الشفاعة تجريد التوحيد، عكس ما عند المشركين: أن الشفاعة تنال باتخاذهم شفعاء، وعبادتهم وموالاتهم من دون الله. فأكذب النبي -صلى الله عليه وسلم- زعمهم الكاذب، وأخبر أن سبب الشفاعة تجريد التوحيد، فحينئذ يأذن الله للشافع أن يشفع فيه.

ومن جهل المشرك اعتقاده أن من اتخذ من دون الله شفيعا أنه يشفع له، وينفعه


١ سورة الأنعام آية: ١.
٢ سورة الزمر آية: ٣.
٣ سورة الزمر آية: ٣.
٤ سورة يونس آية: ١٨.
٥ البخاري: العلم "٩٩" , وأحمد "٢/ ٣٧٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>