للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكل عابد سائل، وكل سائل فهو عابد لله، قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} ١ ولا يتصور أن يخلو داع لله دعاء عبادة أو دعاء مسألة من الرغب والرهب والخوف والطمع.

[دعاء العبادة ودعاء المسألة]

فدعاء العبادة ودعاء المسألة كلاهما عبادة لله، لا يجوز صرف شيء منهما إلى غيره؛ فلا يجوز أن يطلب من مخلوق ميت أو غائب قضاء حاجة، أو تفريج كربة، بل ما لا يقدر عليه إلا الله لا يجوز أن يطلب إلا من الله.

فمن دعا ميتا أو غائبا فقال: يا سيدي فلان أغثني أو انصرني أو ارحمني أو اكشف عني شدتي ونحو ذلك؛ فهو كافر مشرك يستتاب فإن تاب وإلا قتل. وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء، فإن هذا هو شرك المشركين الذين قاتلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنهم لم يكونوا يقولون: إنها تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها، بل كانوا يعلمون أن ذلك لله وحده كما حكاه عنهم في غير موضع من كتابه، وإنما كانوا يفعلون عندها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم من دعائها والاستغاثة بها، والذبح لها، والنذر لها، يزعمون أنها وسائط بينهم وبين الله تعالى تقربهم إليه، وتشفع لهم لديه، كما حكاه عنهم في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ٢ وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} ٣.

فقاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون الدعاء كله لله، والذبح كله لله، والاستغاثة كلها بالله، وجميع العبادات لله، والله سبحانه قد بين في غير موضع من كتابه أن الدعاء عبادة، فقال تعالى حاكيا عن خليله إبراهيم -عليه السلام-: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} ٤ الآية. وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ


١ سورة الأنبياء آية: ٩٠.
٢ سورة الزمر آية: ٣.
٣ سورة يونس آية: ١٨.
٤ سورة مريم آية: ٤٨، ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>