للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن جعل الأنبياء والملائكة وسائط بين الله وبين خلقه، كالحُجّاب الذين يكونون بين الملك ورعيته، بحيث يزعم أنهم يرفعون الحوائج إلى الله، وأن الله يرزق عباده، وينصرهم بتوسطهم، أي بمعنى: أن الخلق يسألونهم، وهم يسألون الله؛ فمن اعتقد هذا فهو كافر مشرك.

[إطلاق الكفر بدعاء غير الله]

إذا تقرر هذا فنقول: قول القائل: "إن إطلاق الكفر بدعاء غير الله غير مسلم لوجوه: الوجه الأول: عدم النص الصريح على ذلك بخصوصه". كلام باطل، بل النصوص صريحة في كفر من دعا غير الله، وجعل لله ندا من خلقه يدعوه كما يدعو الله، ويرجوه كما يرجو الله، ويتوكل عليه في أموره كلها. قال الله تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} ١ وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} ٢ إلى قوله: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} ٣ فمن أحب مخلوقا كما يحب الله، أو رجاه كما يرجو الله؛ فقد جعله ندا لله، وصار من الخالدين في النار.

وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "من مات وهو يدعو لله ندًّا دخل النار"٤.

وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سئل: أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك"٥ والند المثل، قال الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ٦ وقال تعالى عن أهل النار: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ٧ ومعلوم أنهم ما يساوونهم به في الخلق والرزق والإحياء والإماتة، وإنما يساوونهم به في الدعاء والخوف والرجاء والمحبة والتعظيم والإجلال. وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} ٨ وقال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ


١ سورة الأنعام آية: ١.
٢ سورة البقرة آية: ١٦٥.
٣ سورة البقرة آية: ١٦٧.
٤ البخاري: تفسير القرآن "٤٤٩٧" , وأحمد "١/ ٣٧٤ ,١/ ٤٠٢ ,١/ ٤٠٧ ,١/ ٤٦٢ ,١/ ٤٦٤".
٥ البخاري: الأدب "٦٠٠١" , ومسلم: الإيمان "٨٦" , والترمذي: تفسير القرآن "٣١٨٢ ,٣١٨٣" , والنسائي: تحريم الدم "٤٠١٣ ,٤٠١٤ ,٤٠١٥" , وأبو داود: الطلاق "٢٣١٠" , وأحمد "١/ ٣٨٠ ,١/ ٤٣١ ,١/ ٤٣٤ ,١/ ٤٦٢ ,١/ ٤٦٤".
٦ سورة البقرة آية: ٢٢.
٧ سورة الشعراء آية: ٩٧، ٩٨.
٨ سورة الزمر آية: ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>