للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المخلوق في قلبه أعظم من الخالق كان ذلك كفرا.

[قول ابن القيم في الشرك الأصغر]

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء والتَّصَنُّع للخلق، والحلف بغير الله، ونحو: ما لي إلا الله وأنت، وأنا متوكل على الله وعليك، ولولا أنت لم يكن كذا وكذا، وقد يكون هذا شركا أكبر بحسب حال قائله ومقصده. انتهى.

ويقال أيضا: من المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن الله -تعالى- بعث محمدا صلى الله عليه وسلم يدعو إلى التوحيد وينهى عن الإشراك، فكان أول آية أرسله الله بها: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} ١ فأنذر عن الشرك، وهجر الأوثان، وكبرَ الله وعظمَه بالتوحيد، فاستجاب له من استجاب من المسلمين، وصبروا على الأذى من قومهم، وقاسوا الشدائد العظيمة فهاجروا وأُخْرِجُوا من ديارهم، وأُوذُوا في الله، وتَمَيَّزَ الكافر من المسلم، ومات من المسلمين مَن استوجب الجنة، ومات مِن الكفار مَن استحق النار، وهذا النهي كله قبل الحلف بغير الله.

فالاستغاثة بأهل القبور واستنجادهم واستنصارهم لم يبح في شرائع الرسل كلهم، بل بعث الله جميع رسله بالنهي عن ذلك، والأمر بعبادته وحده لا شريك له.

وأما الحلف فكان الصحابة يحلفون بآبائهم، ويحلفون بالكعبة وغير ذلك، ولم يُنْهَوْا عن ذلك إلا بعد مدة طويلة، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآباءكم"٢ وقال: "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت"٣.

ومن لا يميز الفرق بين دعاء الميت والحلف به: لا يعرف الشرك الذي بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ينهى عنه ويقاتل أهله، وأيّ جامع بين الحلف والاستغاثة؟ فالمستغيث طالبٌ سائلٌ، والحالفُ لم يطلب ولم يسأل، فإن كان الجامع بينهما عند القائل باتحادهما: أن كلا منهما قولٌ باللسان؛ فيقال له: والأذكار والدعوات،


١ سورة المدثر آية: ١: ٥.
٢ البخاري: الأدب "٦١٠٨" , ومسلم: الأيمان "١٦٤٦" , والترمذي: النذور والأيمان "١٥٣٣ ,١٥٣٤" , والنسائي: الأيمان والنذور "٣٧٦٦ ,٣٧٦٧ ,٣٧٦٨" , وأبو داود: الأيمان والنذور "٣٢٤٩" , وابن ماجه: الكفارات "٢٠٩٤" , وأحمد "٢/ ٧ ,٢/ ٨ ,٢/ ١١ ,٢/ ١٧ ,٢/ ٢٠ ,٢/ ٦٩ ,٢/ ٧٦ ,٢/ ٨٦ ,٢/ ٩٨ ,٢/ ١٤٢" , ومالك: النذور والأيمان "١٠٣٧" , والدارمي: النذور والأيمان "٢٣٤١".
٣ البخاري: الشهادات "٢٦٧٩" , ومسلم: الأيمان "١٦٤٦" , والترمذي: النذور والأيمان "١٥٣٤" , وأبو داود: الأيمان والنذور "٣٢٤٩" , وأحمد "٢/ ٧ ,٢/ ١١ ,٢/ ١٧ ,٢/ ٢٠ ,٢/ ٧٦ ,٢/ ١٤٢" , ومالك: النذور والأيمان "١٠٣٧" , والدارمي: النذور والأيمان "٢٣٤١".

<<  <  ج: ص:  >  >>