للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له عنهما: إما أن يقول: هذا يدل على أن دعاءهم مستحبٌ أو جائزٌ، ومن قال ذلك: فقد خالف إجماع المسلمين، ومرق من الدين، فإنه لم يقل أحد من المسلمين: إن دعاء الموتى جائز أو مستحب. وإما أن يقول: إن ذلك يدل على أن دعاء الموتى شركٌ أصغر لا أكبر، ومن قال ذلك فقد تناقض في استدلاله حيث استدل بكلام النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر به على ما نهى عنه، وكيف يسوغ لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يستدل بأمره على نهيه.

ثم يقال لهذا المستدل بقوله: "فليناد يا عباد الله احبسوا" أَخْبِرْنَا عن هذا الأمر؟ هل هو للوجوب أو للاستحباب أو الإباحة، وهي أقل أحواله، وأما ما كان مكروها أو محرما فلا يكون فيما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فما وجه الاستدلال؟.

"الوجه الرابع": أن هذا الحديث لا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن من رواته معروف بن حسان، وهو منكر الحديث قاله ابن عدي.

"الوجه الخامس": أن يقال: إن صح الحديث فلا دليل فيه على دعاء الميت والغائب، فإن الحديث ورد في أذكار السفر، ومعناه: أن الإنسان إذا انفلتت دابته، وعجز عنها فقد جعل الله عبادا من عباده الصالحين من صالحي الجن أو من الملائكة أو ممن لا يعلم من جنده سواه: {مَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} ١ فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن لله عبادا قد وكلهم بهذا الأمر، فإذا انفلتت الدابة، ونادى صاحبها بما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: حبسوا عليه دابته.

فإن هؤلاء عباد الله أحياء، وقد جعل الله لهم قدرة على ذلك كما جعل للإنس فهو ينادي من يسمع ويعين بنفسه كما ينادي أصحابه الذين معه من الإنس، فأين هذا من الاستغاثة بأهل القبور؟ بل هذا من جنس ما يجوز طلبه من الأحياء، فإن الإنسان يجوز له أن يسأل المخلوق من الأحياء ما يقدر عليه كما قال تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} ٢ وكما في قوله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إ} ٣ وكما يستغيث الناس يوم القيامة بآدم ثم بنوح ثم إبراهيم ثم بموسى ثم بعيسى


١ سورة المدثر آية: ٣١.
٢ سورة القصص آية: ١٥.
٣ سورة الأنفال آية: ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>