للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمور المبتدعة عند المقبور أنواع: أبعدها عن الشرع: أن يسأل الميت حاجته، كما يفعله كثير، وهؤلاء من جنس عُبَّاد الأصنام، ولهذا قد يتمثل لهم الشيطان في صورة الميت، كما يتمثل لعباد الأصنام، وكذلك السجود للقبر وتقبيله والتمسح به.

"النوع الثاني": أن يسأل الله به، وهذا يفعله كثير من المتأخرين، وهو بدعة إجماعا.

"النوع الثالث": أن يظن الدعاء عنده مستجابا، أو أنه أفضل من الدعاء في المسجد فيقصد القبر لذلك، فهذا أيضا من المنكر إجماعا، وما علمت فيه نزاعا بين أئمة الدين، وإن كان كثير من المتأخرين يفعله.

وبالجملة، فأكثر أهل الأرض مفتونون بعبادة الأصنام، ولم يتخلص منه إلا الحُنَفَاء أتباع ملة إبراهيم، وعبادتها في الأرض من قبل نوح، وهي كلها ووقوفها وسدنتها وحجابها والكتب المُصَنَّفَة في عبادتها قد طبقت الأرض، قال إمام الحنفاء -عليه الصلاة والسلام-: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} ١.

وكفى في معرفة أنهم أكثر أهل الأرض: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن بَعْث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون"٢ وقد قال تعالى: {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا} ٣ وقال: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ٤.

ولو لم تكن الفتنة بعبادة الأصنام عظيمة: لما أقدم عُبَّادُها على بذل نفوسهم وأموالهم وأبنائهم دونها، وهم يشاهدون مصارع إخوانهم، وما حل بهم، ولا يزيدهم ذلك إلا حبا لها وتعظيما، ويوصي بعضهم بعضا بالصبر عليها. انتهى كلامه -رحمه الله-.

والمقصود أنه حكى الإجماع على أن التوسل إلى الله بصاحب القبر: بدعة إجماعا.

[سؤال الله بخلقه أو بحق أحد]

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في الرد على ابن البكري*: "وما زلتُ أبحث وأكشف ما أمكنني عن كلام السلف والأئمة والعلماء، هل جَوَّزَ أحدٌ


١ سورة إبراهيم آية: ٣٥، ٣٦.
٢ البخاري: أحاديث الأنبياء "٣٣٤٨" , ومسلم: الإيمان "٢٢٢" , وأحمد "٣/ ٣٢".
٣ سورة الإسراء آية: ٨٩.
٤ سورة الأنعام آية: ١١٦.
* لم أجده في طبعة مكتبة الغرباء الأثرية لكتاب "الرد على البكري"، ولكن نقله نعمان الآلوسي صاحب كتاب "جلاء العينين في محاكمة الأحمدين" ص ٥٣٧ - ٥٣٨ عن كتاب "الرد على البكري". [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]

<<  <  ج: ص:  >  >>