لأنه فهم من الحديث أن الأعمى توسل بذات النبي -صلى الله عليه وسلم- وأما الجمهور فحملوا حديث الأعمى على أنه توسل بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- كما كان الصحابة يتوسلون به في الاستسقاء، كما في حديث أنس الذي رواه البخاري في صحيحه، وقد تقدم ١.
وشيخنا -رحمه الله- نقل كلام العز بن عبد السلام؛ ليبين أن مسألة التوسل بغير النبي -صلى الله عليه وسلم- بدعة مكروهة وأما التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فأجازه بعض العلماء كالعز بن عبد السلام.
والسائل فهم من نقل الشيخ أنه اختاره، وليس الأمر كذلك؛ بل اختياره -رحمه الله- هو ما ذهب إليه الجمهور أن ذلك بدعة مُحْدَثَة لم يفعلها الصحابة ولا التابعون؛ فإنه لم يُنْقَل عن أحد منهم أنه توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته كما قدمناه.
وأما قوله: وأما التوسل بغير الأنبياء فَيُورِدُونَ أن عمر توسل بالعباس في الاستسقاء، فقد تقدم بيانه بما فيه كفاية.
وبيان أن التوسل بدعاء الصالحين في الاستسقاء وغيره مشروع، كما فعله الصحابة؛ لما توسلوا بالعباس ويزيد بن الأسود وليس كلامنا في هذا، وإنما الكلام في التوسل بنفس الذات.
وأما قولهم في حديث العباس:"فطفق الناس يتمسحون به". فلم نقف لها على أصل، ولا رأيناها في شيء من الكتب، وعلى تقدير ثبوتها فليس فيها حجة على التوسل بالأموات.
١ جملة القول في حديث الأعمى أن له وجها موافقا للعقائد والقواعد، وهو طلب الدعاء والتشفع به، فيؤخذ به، ووجها مخالفا لها فلا يجوز الأخذ به لشذوذه مع مخالفته؛ فإنه لم يرد شيء في معناه عن أحد من الصحابة، ورواية الشاذ كهذا لا يُحْتَجُّ بها مطلقا، فكيف إذا كانت في مسألة تعبدية تمس العقيدة - فهذه لا تثبت إلا بنص قَطْعِي الرواية والدلالة معا.