للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم، ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء".

فهذان المرسلان من هذين الوجهين المختلفين يدلان على ثبوت الحديث، لا سيما، وقد احتج به مَن أرسله، وذلك يقتضي ثبوته عنده، هذا لو لم يكن روي مُسْنَدًا من وجوه غير هذا، فكيف وقد تقدم مُسْنَدًا؟

[نهي النبي عن اتخاذ القبور مساجد وقبره عيدا]

ووجه الدلالة منه أن قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نَهَى عن اتخاذه عيدا فقبر غيره أولى بالنهي كائنا من كان، ثم إنه قَرَنَ ذلك بقوله: "ولا تتخذوا بيوتكم قبورا"١ أي: لا تعطلوها من الصلاة فيها والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور، فأمر بتحري النافلة في البيوت ونهى عن تحري العبادة عند القبور. وهذا ضد ما عليه المشركون.

ثم إنه عَقَّبَ النهي عن اتخاذها عيدا بقوله: "وصلوا عليَّ حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني"٢ يشير بذلك إلى أن ما يَنَالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبُعْدكم، فلا حاجة إلى اتخاذه عيدا.

وقد حَرَّفَ هذه الأحاديث بعض مَن أخذ شَبَهًا من النصارى بالشرك، وشَبَهًا من اليهود بالتحريف، فقال: هذا أمر بملازمة قبره، والعكوف عنده واعتياد قصده وانتيابه، ونهى أن يجعل كالعيد الذي إنما يكون من الحول إلى الحول، بل اقصدوه كل ساعة، وكل وقت، وهذا مراغمة ومحادَّة ومناقضة لما قصده الرسول صلى الله عليه وسلم وقلبٌ للحقائق، ونسبة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى التدليس والتلبيس والتناقض، فقاتل الله أهل الباطل أنى يؤفكون.

ولا ريب أن ارتكاب كل كبيرة بعد الشرك أسهلُ إثما وأخف عقوبة من تعاطي مثل ذلك في دينه وسنته، وهكذا غُيِّرَتْ أديان الرسل، ولولا أن الله أقام لدينه أنصارا وأعوانا يَذُبُّونَ عنه لجرى عليه ما جرى على الأديان قبله، ولو


١ البخاري: الصلاة "٤٣٢" , ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها "٧٧٧" , والترمذي: الصلاة "٤٥١" , والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار "١٥٩٨" , وأبو داود: الصلاة "١٤٤٨" , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها "١٣٧٧" , وأحمد "٢/ ٦ ,٢/ ١٦ ,٢/ ١٢٢".
٢ أبو داود: المناسك "٢٠٤٢" , وأحمد "٢/ ٣٦٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>