للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى خرج منه من علم الله بروزه إلى عالم الكون والفساد، وأخذ عليهم الميثاق بالتوحيد، وترك الأنداد، وليس فيها نفي ما تضمنته الآية من خروج الذرية من ظهور بني آدم كما أخبر الله -سبحانه وتعالى-.

[تفسير آية وإذ أخذ ربك من بني آدم بأنها ليست بمعنى الأحاديث الواردة]

ونازع هؤلاء البعض الآخر في كون هذا معنى الآية، وقالوا: معنى قوله -تعالى-: {إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} ١ أي أخرجهم، وأنشأهم بعد أن كانوا نطفا في أصلاب الآباء إلى الدنيا على ترتيبهم في الوجود، وأشهدهم على أنفسهم أنه ربهم بما أظهر لهم من آياته وبراهينه التي تضطرهم إلى أن يعلموا أنه خالقهم، فليس من أحد إلا وفيه من صنع ربه ما شهد على أنه بارئه، ونافذ الحكم فيه، فلما عرفوا ذلك، ودعاهم كل ما يرون، ويشاهدون إلى التصديق به كانوا بمنزلة الشاهدين والمشهدين على أنفسهم بصحته، كما قال في غير هذا الموضع من كتابه: {شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} ٢ يريد: هم بمنزلة الشاهدين، وإن لم يقولوا: نحن كفرة، وكما يقال: قد شهدت جوارحي بقولك، يريد قد عرفته، وكأن جوارحي لو أشهدت وفي وسعها أن تنطق لشهدت.

ومن هذا الباب أيضا {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} ٣ يريد أعلم وبين، فأشبه إعلامه وتبيينه ذلك شهادة من شهد عند الحكام وغيرهم، كما قاله ابن الأنباري.

وزاد الجرجاني -بيانا لهذا القول- فقال حاكيا عن أصحابه: إن الله لما خلق الخلق، ونفذ علمه فيهم بما هو كائن مما لم يكن بعد صار ما هو كائن كالكائن، إذ علمه بكونه واقعا غير كونه واقعا في مجاري العربية، فساغ أن يضع ما هو منتظر مما لم يقع بعد موضع الواقع لسبق علمه بوقوعه، كما قال عز وجل في مواضع من القرآن كقوله: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ} ٤ {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} ٥ {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ} ٦ قال: فيكون تأويل قوله: {إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ} وإذ يأخذ ربك.

وكذلك قوله {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى


١ سورة الأعراف آية: ١٧٢.
٢ سورة التوبة آية: ١٧.
٣ سورة آل عمران آية: ١٨.
٤ سورة الأعراف آية: ٥٠.
٥ سورة الأعراف آية: ٤٤.
٦ سورة الأعراف آية: ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>