للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كاجارن الجولان من هلك ربه ... وحوران منها خاشع متضائل ١

وأجارن الجولان جبالها، وحوران الأرض التي إلى جانبها.

قال إن في قوله: {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين َأَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} ٢ دليلا على هذا التأويل؛ لأنه عز وجل علم أن هذا الأخذ للعهد عليهم، لئلا يقولوا يوم القيامة: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} ٣.

والغفلة هاهنا لا تخلو من أحد وجهين: إما أن يكون عن يوم القيامة، أو عن أخذه الميثاق، فأما يوم القيامة فلم يذكر -سبحانه- في الكتاب أنه أخذ عليهم عهدا وميثاقا بمعرفة البعث والحساب، وإنما ذكر معرفته فقط.

[أخذ ميثاق النبيين كأخذ العهد على ذرية آدم]

فأما أخذ الميثاق فالأطفال والإسقاط إن كان هذا العهد مأخوذا عليهم -كما قال المخالف- فهم لم يبلغوا بعد أخذ الميثاق عليهم مبلغا يكون منهم غفلة عنه، فيجحدونه، وينكرونه. فمتى تكون هذه الغفلة منهم؟ وهو عز وجل لا يؤاخذهم بما لم يكن منهم، وذكر ما لا يجوز، ولا يكون محالا.

وقوله: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} ٤ فلا يخلو هذا الشرك الذي يؤاخذون به أن يكون منهم أنفسهم، أو من آبائهم، فإن كان منهم، فلا يجوز أن يكون ذلك إلا بعد البلوغ وثبوت الحجة عليهم، إذ الطفل لا يكون منه شرك ولا غيره، وإن كان من غيرهم، فالأمة مجمعة على {أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ٥ كما قال الله عز وجل.

وليس هذا بمخالف لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله مسح ظهر آدم، وأخرج منه ذرية، وأخذ عليهم العهد"٦؛ لأنه صلى الله عليه وسلم اقتص قول الله عز وجل فجاء بمثل


١ كذا في الأصل، والبيت يرثي به النابغة أبا حجر الغساني. وهو في التاج هكذا: * بكى حارث الجولان من فقد ربه ... إلخ، ويروى من هلك ربه. كما هنا. والحارث قلة من قلاته. والجولان: جبل بالشام.
٢ سورة الأعراف آية:١٧٢، ١٧٣.
٣ سورة الأعراف آية: ١٧٢.
٤ سورة الأعراف آية: ١٧٣.
٥ سورة النجم آية: ٣٨.
٦ الترمذي: تفسير القرآن "٣٠٧٥" , وأبو داود: السنة "٤٧٠٣" , وأحمد "١/ ٤٤" , ومالك: الجامع "١٦٦١".

<<  <  ج: ص:  >  >>