للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها أهل الكتاب، فإنه ميثاق أخذه عليهم بالإيمان به وبرسله.

ولما كانت آية الأعراف في سورة مكية ذكر فيها الميثاق والإشهاد العام بجميع المكلفين بالإقرار بربوبيته ووحدانيته، وبطلان الشرك، وهو ميثاق وإشهاد تقوم به عليهم الحجة، وتنقطع به المعذرة، وتحل به العقوبة، ويستحق بمخالفته الإهلاك، فلا بد أن يكونوا ذاكرين له عارفين به، وذلك ما فطرهم عليه من الإقرار بربوبيته، وأنه ربهم وفاطرهم، وأنهم مخلوقون مربوبون، ثم أرسل إليهم رسله يذكرونهم بما في فطرهم وعقولهم، ويعرفونهم حقه عليهم، وأمره، ونهيه، ووعده ووعيده، ونظم الآية إنما يدل على هذا من وجوه متعددة:

"أحدها" أنه قال -سبحانه وتعالى-: {إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} ١ ولم يقل: من آدم، وبنو آدم غير آدم.

"الثاني" أنه قال: {مِنْ ظُهُورِهِمْ} ٢ ولم يقل من ظهره، وليس لآدم إلا ظهر، وهذا بدل بعض من كل، أو بدل اشتمال، وهو أحسن.

"الثالث" أنه قال: {ذرياتهم} ٣ بصيغة الجمع، ولم يقل من ذريته، وهو مفرد ٤.

"الرابع" أنه قال: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} ٥ أي جعلهم شاهدين على أنفسهم، فلا بد أن يكون شاهدا ذاكرا لما يشهد به، وهو إنما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدار، لا يذكر شهادته قبلها.

"الخامس" {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} والحجة إنما قامت عليهم بالرسل والفطر التي فطروا عليها كما قال -تعالى-: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} ٦.

"السادس" تذكيرهم بذلك؛ لئلا يقولوا يوم القيامة: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا


١ سورة الأعراف آية: ١٧٢.
٢ سورة الأعراف آية: ١٧٢.
٣ سورة الأعراف آية: ١٧٢.
٤ في قراءة حفص المشهورة "ذريتهم" والمفرد المضاف إلى الجمع يفيد العموم.
٥ سورة الأعراف آية: ١٧٢.
٦ سورة النساء آية: ١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>