للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي أخبر بها فما عسى أن يكون قد كان في ذلك الوقت الذي أخذ فيه العهد مما لم يضمنه الله كتابه لما كان في ذلك خلاف ولا تفاوت، بل كان زيادة في الفائدة. وكذلك الألفاظ إذا اختلفت في ذاتها، وكان مرجعها إلى شيء واحد، لم يوجب ذلك تناقضا، كما قال عز وجل في كتابه في خلق آدم، فذكره مرة أنه خلق من تراب، ومرة أنه خلق من حمأ مسنون، ومرة من طين لازب، ومرة من صلصال كالفخار. فهذه الألفاظ مختلفة، ومعانيها أيضا في الأحوال مختلفة، فإن الصلصال غير الحمأ، والحمأ غير التراب، إلا أن مرجعها كلها في الأصل إلى جوهر واحد وهو التراب، ومن التراب تدرجت في هذه الأحوال. فقوله -سبحانه وتعالى-: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} ١ وقوله صلى الله عليه وسلم "إن الله مسح ظهر آدم واستخرج منه ذريته"٢ فمرجعهما إلى جوهر واحد وهو آدم، ومنه تدرجت الذرية إلا أن قوله صلى الله عليه وسلم "مسح ظهر آدم" زيادة في الخبر عن الله عز وجل ومسح ظهر آدم مسح لظهور ذريته، واستخراج ذرياتهم من ظهورهم كما أخبر الله -سبحانه وتعالى- بذلك ... إلى أن قال ابن القيم -رحمه الله-:

وفيه أيضا أنه عز وجل لما أضاف الذرية إلى آدم احتمل أن يكون الخبر عن الذرية وعن آدم كما قال -تعالى-: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ}. فالخبر في الظاهر عن الأعناق، والنعت للأسماء المكنية فيها، وهو مضاف إليها كما كان آدم مضافا إليه هناك، وليسا جميعا بالمقصودين في الظاهر بالخبر، ولا يحتمل أن يكون قوله "خاضعين" للأعناق لأن وجه جمعها خاضعات. ومنه قول الشاعر:

ويشرق بالقول الذي قد أذعته ... كما شرقت صدر القناة من الدم

فالصدر مذكر. وقوله: شرقت أنث لإضافة الصدر إلى القناة ٣.


١ سورة الأعراف آية: ١٧٢.
٢ الترمذي: تفسير القرآن "٣٠٧٥" , وأبو داود: السنة "٤٧٠٣" , وأحمد "١/ ٤٤" , ومالك: الجامع "١٦٦١".
٣ إلى هنا كلام ابن القيم -رحمه الله- وأوله "ونازع هؤلاء البعض الأخرون".

<<  <  ج: ص:  >  >>