قصدٍ؛ بل هو جاهل، هل يعذر أم لا؟ سواء كان ذلك الشّيء قولًا، أو فعلًا، أو اعتقادًا، أو توسّلًا؟
فنقول: إذا فعل الإنسان الذي يؤمن بالله ورسوله ما يكون فعله كفرًا، أو قوله كفرًا، أو اعتقاده كفرًا جهلًا منه بما بعث الله به رسوله -صلّى الله عليه وسلّم-، فهذا لا يكون عندنا كافرًا، ولا نحكم عليه بالكفر حتى تقوم الحجة الرّسالية التي يكفر من خالفها.
فإذا قامت عليه الحجّة، وبيّن له ما جاء به الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم-، وأصرّ على فعل ذلك بعد قيام الحجّة، فهذا هو الذي يكفر؛ وذلك لأنّ الكفر إنّما يكون بمخالفة كتاب الله وسنة رسوله، وهذا مجمع عليه بين العلماء في الجملة، واستدلوا بقوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}، [الإسراء: من الآية: ١٥].
واستدلّوا أيضًا بما ثبت في الصّحيحين والسّنن وغيرها من كتب الإسلام من حديث حذيفة أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال:"إنّ رجلًا مِمَّن كان قبلكم قال: لبنيه إذا أنا منت فاحرقونِي ثم ذروا نصفي في البرّ ونصفي في البحر، فوالله لئن قدر الله عليّ ليعذبنِي عذابًا لا يعذّبه أحدًا من العالمين، فأمر الله البحر فجمع ما فيه، وأمر الله البرّ فجمع ما فيه، ثم قال له: كن فإذا الرّجل قائم، قال الله: ما حملك على ذلك؟ قال: خشيتك ومخافتك فما تلافاه أن رحمه".
فهذا الرّجل اعتقد أنّه إذا فعل به ذلك لا يقدر الله على بعثه جهلًا منه لا كفرًا، ولا عنادًا، فشكّ في قدرة الله على بعثه، ومع هذا غفر له ورحمه.
وكلّ مَن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة بالرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ولكن الجاهل يحتاج إلى مَن يعرّفه بذلك من أهل العلم. والله سبحانه وتعالى أعلم.