فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرّمها، فأنْزل الله هذه الآية:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}[التّحريم، من الآية: ١]. وهذا أصحّ طرق هذا السّبب وله شاهد مرسل.
وقد اختلف في سبب التّحريم هل هو تحريم العسل، أو تحريم مارية القبطية، وقوله: ليس بشيء، يحتمل أن يريد بالنَّفي التّطليق، ويحتمل أن يريد به ما هو أعم من ذلك، والأوّل أقرب ويؤيّده ما تقدم في التّفسير بهذا الإسناد أنّه قال في الحرام يكفر، وفي روايةٍ إذا حرم الرّجل امرأته فإنّما هي يمين يكفّرها. فعرف أنّ المراد بقوله: ليس بشيء، أي: ليس بطلاق وأنت تفهم -رحمك الله- أنّ مذهب ابن عبّاس في هذه المسألة أقرب الأقوال إلى الكتاب والسّنة، وهو اختيار شيخنا -رحمه الله-. وذكر ابن القيم -رحمه الله- هذه المسألة ومسألة الحلف بالطّلاق في كتاب أعلام الموقعّين وبسطها فأحببت أن أنقل لك أوّل المسألة قال -رحمه الله-:
(فصل)
الثّامن مما تتغيّر به الفتوى لتغيّر العرف والعادة موجبات الأيمان والإقرار والنّذر وغيرها، فمن ذلك أنّ الحالف إذا حلف لا ركبت دابّة، وكان في بلد عرفهم في لفظ الدّابة الحمار خاصّة اختصّت يمينه به ولا يحنث بركوب الفرس والجمل، وكذلك إن كان الحالف مِمَّن عادته ركوب نوعٍ خاصٍّ من الدّواب كالأمراء ومَن جرى مجراهم حملت يمينه على ما اعتاده من ركوب الدّواب، فيبقى في كلّ بلدٍ بحسب عرف أهله، ويفتي كلّ أحدٍ بحسب عادته.
وكذلك إذا حلف لا اشتريت كذا ولا بعته، ولا حرثت هذه الأرض ولا زرعتها ونحو ذلك وعادته أن لا يباشر ذلك بنفسه؛ كالملوك حنث قطعًا بالإذن والتّوكيل فيه فإنّه نفس ما حلف عليه،