الدّرهم فقد أخرجته الصّنعة عن أصله وما أخرجته الصّنعة مما أصله الوزن فلا يجري فيه الرّبا غير الذّهب والفضّة نصّ عليه في المنتهى.
فإن قيل: قد أجازوا بيع درهم بمساويه في غشّ؟
قلت: هذا أيضًا من الحجّة عليكم؛ لأنّه لا سبيل إلى العلم بتساوي الدّرهمين المتساويين وزنًا في الغشّ إلّا من جهة العلم بتساويهما في الفضّة وبالعلم بالتّساوي يزول المانع بخلاف مسألتكم فإنّ التّساوي فيها غير معلوم.
فإن قيل: قد رأيناهم جوّزوا بيع التّمر فيه النّوى بمثله؟
قلت: هو كذلك، ولكنّه قد اشتمل على شيئين بأصل الخلقة، وما اشتمل على شيئين كذلك جاز. نصّ عليه في الكافي وغيره، ففارقت هذه المسألة، وقد نصّ الفقهاء -رحمهم الله- على أنّه لو نزع النّوى من التّمر لم يجز بيع التّمر المنْزوع منه النّوى بتمرٍ فيه نوى سواء ترك معه أو لا. ومسألتكم أولى بالمنع ولا بدّ. وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قد صرّح في الفتاوى المصرية أنّها إذا كانت الفضّة المغشوشة أكثر من المفردة فإنّه لا يجوز بيع أحدهما بالأخرى، وهي مسألتكم بعينها. وعلى المنع منها اتّفق العلماء رحمهم الله.
وأمّا مسألة مدّ عجوة ودرهم التي منع الجمهور منها فللبطلان فيها مأخذان:
أحدهما: سدّ ذريعة الرّبا في كلام الإمام إيماء إلى ذلك.
الثّاني: وهو مأخذ القاضي وأصحابه أنّ الصّفقة إذا اشتملت على شيئين مختلفي القيمة يقسط الثّمن على قيمتها. وهذا يؤدّي هنا إمّا إلى يقين التّفاضل، وإمّا إلى الجهل بالتّساوي، وكلاهما مبطل للعقد؛ فإنّه إذا باع درهمًا ومدا يساوي درهمين بمدّين يتساويان ثلاثة، فالدّرهم في مقابلة ثلثي مدّ ويبقي مدّ في مقابلة مدّ وثلث وذلك ربا. فلو فرض التّساوي كمدّ يساوي درهمًا ودرهم بمدّ يساوي درهمًا ودرهمٍ لم يصحّ أيضًا؛ لأنّ التّقويم ظنّ وتخمين فلا تتحقّق معه المساواة.