القسري أمير واسط يوم الأضحى. وظهر بعده جهم بن صفوان الّذي تنسب إليه الجهمية. وهذا المذهب الخبيث وانتشرت مقالته في خلافة المأمون بن الرّشيد فعطلوا الصّفات ونفوا الحكمة وقالوا بالجبر.
فهذه الطّوائف الثّلاث أصل الشّرّ في هذه الأمّة، وصارت فتنة الجهمية أكثر انتشارًا ودخل فيها مَن يدّعي أنّه على السّنة وليس كذلك، فخالف الكتاب والسّنة وسلف الأمّة وأئمتها، وعمّ ضررهم فجحدوا الصّفات وتوحيد الألوهية الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، فهم خصوم أهل التّوحيد والسّنة إلى اليوم، فإيّاكم أن تغترّوا بَمَن هذه حاله -ولو كان له صورة ودعوى في العلم- مِمَّن امتلأ قلبه من فرث التّعطيل، وحال بينه وبين فهم الأدلّة الصّحيحة الصّريحة شبهات التّأويل.
قال الإمام أحمد -رحمه الله-: أكثر ما يخطئ النّاس من جهة التّأويل والقياس. فصنّف المتأخّرون من هؤلاء على مذهبهم الفاسد مصنّفات كالأرجوزة التي يسمّونُها جوهر التّوحيد، وهي إلحاد وتعطيل لا يجوز النّظر إليها، ولهم مصنّفات أخرى نفوا فيها علوّ الرّبّ تعالى، والكتاب والسّنة يردّ بدعتهم ويبطل مقالتهم. فإنّ الله تعالى أثبت استواءه على عشره في سبعة مواضع من كتابه. كقوله:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}، [الفرقان، من الآية: ٥٩].
وقوله تعالى:{تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}، [المعارج، من الآية: ٤].
وقوله:{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}، [النّحل، من الآية: ٥٠].
{إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}، [آل عمران، من الآية: ٥٥].