للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو حنيفة: لا يأخذه إلّا بالقيمة، وهو محجوج بحديث ناقلة النَّبِيّ -صلّى الله عليه وسلّم- المتقدّم؛ ولأنّه لم يحصل في يده بعوضٍ فصار صاحبه أحقّ به بغير شيءٍ كما لو أدركه في الغنيمة قبل القسمة.

فأمّا إن اشتراه رجل من العدوّ فليس لصاحبه أخذه إلّا بثمنه. وهذا كلّه إنّما هو في الكافر الأصلي.

وأمّا المرتد فلا يملك مال المسلم بحال عند جميع العلماء، ولا يعلم أحد قال به. وقد تتبعت كتب الخلاف كالمغني والقواعد والإنصاف وغيرها فما رأيت خلافًا في أنّه لا يملكه، وإنّما الخلاف فيما أتلفه إذا كان في طائفةٍ ممتنعةٍ أو لحق بدار حربٍ، والمذهب أنّه يضمن ما تلف في يده مطلقًا، فافهم ذلك، فالمسلم يأخذ ماله من المرتدّ أو مِمَّن انتقل إليه بعوضٍ أو غيره بغير شيءٍ. وما تلف في يد المرتدّ من مال المسلم أو تلف عند مَن انتقل إليه من جهة المرتد فهو مضمون كالمغصوب.

ثم اعلم أنّه قد يغلط مَن لا تمييز عنده في معنى التّلف والإتلاف فيظنّ أنّه إذا استنفق المال أو باعه أو وهبه ونحو ذلك يعدّ إتلافًا، وليس كذلك بل هنا تصرّف وانتفاع.

وقد فرّق العلماء -رحمهم الله- بين هذا وبين الإتلاف. ومن صور الإتلاف والتّلف أن يضيّعه أو يضيّع أو يسرق أو يحرق أو يقتل ونحو ذلك. فإن كان بفعله فهو إتلاف، وإن كان بغير فعله فهو بالنّسبة إليه تلف يترتّب عليه أحكام ما تلف بيده، وبالنّسبة إلى الفاعل إتلاف. وضابطه: فوات الشّيء على وجه لا يعدّ من أنواع التّصرف.

إذا عرفت أنّ حكم المرتدّ يفارق حكم الكافر الأصلي. فاعلم أنّه قد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فيمَن اشترى مال مسلمٍ من التتر لما دخلوا الشّام إن لم يعرف صاحبه صرف في المصالح وأعطي مشتريه ما اشتراه به؛ لأنّه لم

<<  <  ج: ص:  >  >>