للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقدر جريمته، أو كونه ظلم غيره فيطلب المظلوم مقابلته بالعدل، فهذا غير مراد قطعًا. وإنّما المراد إلحاق الضّرر بغير حقٍّ. وهذا على نوعين:

أحدهما: أن يكون في ذلك غرض سواء ضرر بذلك أو لا، فهذا لا ريب في قبحه وتحريمه. وقد ورد النّهي في القرآن عن المضارّة في مواضع؛

منها: الوصيّة، قال الله تعالى: {غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ}، [النّساء، من الآية: ١٢]. والإضرار بالوصيّة يكون تارة بأن يخصّ بعض الورثة بزيادة على فرضه الذي كتب الله له فيستضرّ بقية الورثة بتخصيصه. ولهذا قال النَّبِيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: "لا وصيّة لوارثٍ". وتارة بأن يوصي لأجنبِيّ بزيادة على الثّلث فينقص حقوق الورثة، ولهذا قال النَّبِيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: "الثّلث والثّلث كثير". ومتى أوصى لوارثٍ أو لأجنَبِيٍّ بزيادةٍ على الثّلث لم ينفّذ ما أوصى به؛ إلّا بإجازة الورثة، وسواء قصد المضارة أو لم يقصد.

وأمّا إن قصد المضارة لأجنَبِيّ بالثّلث فإنّه يأثم بقصده المضارة، وهل ترد الوصية إذا ثبت ذلك بإقراره أم لا؟

حكى ابن عطيّة رواية عن مالك أنّها ترد، وقيل: إنّه قياس مذهب أحمد.

ومنها: الرّجعة في النّكاح، قال الله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} الآية، [البقرة، من الآية: ٢٣١].

وقال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا}، [البقرة، من الآية: ٢٢٨]. فدلّ ذلك على أنّ مَن كان قصده بالرّجعة المضارة فإنّه آثم بذلك.

ومنها: الإيلاء، فإنّ الله تعالى جعل مدّة الإيلاء للمولي أربعة أشهر إذا حلف على امتناع وطء زوجته؛ فإنّه يضرب له أربعة أشهر، فإن فاء ورجع إلى الوطء كان ذلك توبة، وإن أصرّ على الامتناع لم يمكن من ذلك. ثم فيه قولان للسّلف والخلف:

أحدهما: أنّها تطلق عليه بمضي هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>