وإن كان على الوجه المعتاد ففيه للعلماء قولان مشهوران:
أحدهما: لا يمنع من ذلك. وهو قول الشّافعي وأبي حنيفة وغيرهما.
والثّاني: المنع. وهو قول أحمد ووافقه مالك في بعض الصّور.
فمن صور ذلك أن يفتح كوة في بنائه العالي مشرفة على جاره، أو أن يبنِي عاليًا ليشرف على جاره ولا يستره فإنّه يلزمه أن يستره، نصّ عليه أحمد. ووافقه طائفة من أصحاب الشّافعي. قال الرّويانِي منهم في كتاب الحلية: يجتهد الحاكم في ذلك، ويمنع إذا ظهر له التّعفن في الفساد. قال وكذلك القول في إطالة البناء ومنع الشّمس والقمر. وقد خرج الخرائطي وابن عدي بإسنادٍ ضعيفٍ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه مرفوعًا حديثًا طويلًا في حقّ الجارية، وفيه:"ولا يستطيل عليه بالبناء فيحجب عنه الرّيح إلّا بإذنه".
ومنها: أن يحفر بئرًا بالقرب من بئر جاره، فيذهب ماءها، فإنّها تطم في مذهب مالك وأحمد. وأخرج أبو داود في المراسيل من حديث أبي قلابة قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: "لا تضارّوا في الحفر". وذلك أن يحفر الرّجل إلى جنب بئر الرّجل ليذهب بمائه.
ومنها: أن يحدث بما يضرّ بملك جاره من هزّ ودقّ ونحوهما، فإنّه يمنع منه في ظاهر مذهب مالك وأحمد، وهو أحد الوجوه للشافعية.
ومنها: أن يكون له ملك في أرض غيره ويتضرّر صاحب الأرض بدخوله إلى أرضه، فإنّه يجبر على إزالته ليدفع به ضرر الدّخول، وخرّج أبو داود في سننه من حديث أبي جعفر محمّد بن عليّ أنّه حدّث عن سمرة بن جندب أنّه كان له عضيد من نخلٍ في حائط رجلٍ من الأنصار، ومع الرّجل أهله فكان سمرة يدخل إلى أهله فيتأذى به، ويشقّ عليه، فطلب إليه أن ينقله فأبى، فأتى النَّبِيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فذكر له ذلك، فطلب النَّبِيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أن يبيعه فأبى، فطلب إليه أن