وأما كونهم كانوا معتقدين فيه غير الحق وقائليه، فهذا لا يعتقده مسلم عرف حال القوم؛ ولا يجوز أيضا أن يكون الخالفون أعلم من السابقين كما قد يقوله بعض الأغبياء ممن لم يعرف قدر السلف، بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة المأمور بها من أن طريقة الخلف أعلم وأحكم، وطريقة السلف أسلم. فإن هؤلاء المبتدعة الذين يفضلون طريقة الخلف على طريقة السلف إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك بمنْزلة الأميين الذين قال الله فيهم:{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}[البقرة: ٧]،
وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات؛ فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر. وقد كذبوا على طريقة السلف، وضلوا في تصويب طريقة الخلف؛ فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف.
وسبب ذلك: اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص بالشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها أهل الجهل والضلال من الجهمية، والمعتزلة، والرافضة، ومن سلك سبيلهم من الضالين؛ فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر، وكان مع ذلك لا بد للنصوص من معنى، بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى -وهي التي يسمونها طريقة السلف-، وبين صرف اللفظ إلى معنى بنوع تكلف؛ وصار هذا الباطل مركبا من فساد العقل والكفر بالسمع. فإن النفي إنما اعتمدوا فيه على أمور عقلية ظنوها بينات وبراهين قاطعات وهي شبهات